أنتم العار۔۔ والعار منکم براء جراٸم متمادية ترکتبها دولة بحق نفسها الکاتب: محمد هاني شقير

أنتم العار۔۔ والعار منکم براء
جراٸم متمادية
ترکتبها دولة
بحق نفسها
الکاتب: محمد هاني شقير
إن الجرائم المتمادية التي ارتكبتها الدولة اللبنانية العميقة منها والطائشة على حدٍ سواء، كل الدولة، بحق هذا الوطن، كل الوطن، يعجز عن تحقيقها أي بلد يناصب العداء لبلدٍ آخر. إن اسرائيل غير قادرة على أن تلحق بلبنان، وبأي بلد آخر، هذا المستوى الفظيع من الخراب _ ليس تدمير المرفأ وحده_ الخراب العام في كل مفاصل الحياة في هذا البلد وشرايينه. يكفي ذلاً أن الأعداء يشاهدون، بسرور، هذه الدولة الفاشلة مستمسكة بحياة اللبنانيين بفضل اللبنانيين أنفسهم المستمسكين، هم أيضًا، بزعمائهم السياسيين والروحيين والاقتصاديين وحتى بمخاتيرهم وبحراس أحراشهم في آخر وادٍ في أبعد قرية لبنانية۔
لم يخطر في بالنا، ولا في بال أي شخصٍ في هذا الكون، أن نعيش في دولةً ينخرها فساد استطاع أن يعشش في مختلف أركانها، ويحيلها، مع الزمن، الى واقعٍ يتفاخر به من يحتال على إدارة أو مرفقٍ عام، ويستغرب تمنع أحد الموظفين عن أخذ رشوةٍ مهما كان حجمها، والسير بمعاملةٍ إدارية كما تقتضي الأصول۔
ولما وصلنا الى هذا الدرك من التفاشل المريع، فإنه ليس من المستغرب أن يستقبل اللبنانيون زعماء عالميين بالترحاب في حين يتداولون صور زعمائهم بشيء من السخرية والقرف۔
إن جميع أركان الدولة يتمتعون بحصانات مذهبية ضيقة جدًا، فنادرًا ما تجد زعيمًا لبنانيًا قد تخطت شعبيته حدود طائفته ومذهبه، وهذا يأخذنا الى إستنتاج أساس يقوم على معادلة أن من يؤيد هذا الزعيم إنما يؤيده لأسباب لم تعد خافيةٍ على أحد۔
عندما يقذف اللبنانيون زعماء من غير مذاهبهم باقذع التعابير والصور الكاريكاتورية فإنهم يدركون، جيدًا، أن زعيمهم هو محط سخرية عند من يختلفون عنه بالمذهبٍ، ويعرف القاصي والداني، أن الغالبية العظمى من المُبَجِلين إنما هم واقعون تحت سندان من يمتلك القوة في جنباتهم، فهم، سيتعرضون للقمع والتنمر والاتهام في كل شيء، بدءَا بالعمالة تحت حساب السفارات، مرورًا بالاهانة بالكرامات، والتعرض بالشخصي، عدا عن الضرب حين تقتضي حاجتهم الى الضرب۔
من يقرأ من المعنيين دلالات الحفاوة الشعبية في استقبال رئيس الدولة الحنون، وطريقة التعاطي الشعبي مع ماكرون، سيكتشف _ إن كان لا زال يتمتع بشيء من الإحساس _ أنه صار من العدة البالية وكل ما يشي به له الأقربون، عن حب الناس، إنما هو شكل من أشكال القهر الزجري۔
اللبنانيون لم يستقبلوا ماكرون، ومن سيأتي بعده من مسؤولين عالميين على خلفية التضامن مع لبنان، بالترحاب حبًا بالانتدابات بقدر ما هم يعبّرون عن سخطهم من كل الطبقة السياسية التي عاثت فسادًا ونهبًا، وأخيرًا سببت تدميرًا يشي بدلالات عميقة في معجم الفساد، وقاموس الإهمال، وصل ألى حدّ مسح الوطن وتذويبه وجعله في غيبوبة، لا تصلح معها اعظم غرف العناية الحرجة، هائمة في اللامجهول في موت سريري۔
وللإشارة، لئن كان شعب ماكرون هو أيضًا غير متحمسٍ له، فهو حين شاهد حفاوة استقبال بعض اللبنانيين لرئيسهم، دب فيهم الكرم، فسامحونا به وطلبوا منّا أن نستبقيه عندنا وننتخبه رئيسًا علينا! فكيف ننسى جورج عبدالله في سجونه بلا أي مسوغٍ قانوني سوى أنه مستبقى عندهم بقرار من زعيمة العالم المستبدة الولايات المتحدة الاميركية۔
وحتى المساعدات التي ستصل تباعًا، فأن شعبنا يشكك، عن يقين، بجميع وزاراته ومؤسساته، ولا يثق بأيٍ منها لتستلم تلك المساعدات، ولسان حالهم يتساءل: ماذا فعلتم بالمساعدات التي تبرع بها اللبنانيون لمكافحة جائحة كورونا؟ أين ذهبت؟ ألم يفقد مستشفى رفيق الحريري الحكومي مادة المازوت وتنقطع عنه الكهرباء؟! أليس فيه ماكينات معطلة إلى الوقت الراهن، ويجري الاستعانة بمختبرات خارجية للقيام ببعض الفحوصات؟
إن من يبعث على الأمل هم أولائك الذين جاؤوا في الثامن والتاسع عشر من تشرين، رفقة أطفالهم، وبدأوا عملية تنظيفٍ لجميع الساحات والشوارع التي انقضّت القوى الأمنية فيها على المتظاهرين، منذ وقت قريب، ومارست بحقّهم عملية قمعٍ ستبقى في البال، ولن تمحوها كل محاولات التجميل۔
سيبقى الأمل معقودًا عليهم، هم الذين عادوا في الخامس والسادس من آب، ليلملموا جراحات الناس ويسعفوا الأهلين من جراء انفجار فسادكم المهول في قلب بيروت، عاصمة الحب والثورة والنضال، العاصمة التي نادى فيها جنود جيش العدو اهلها، ذات يوم من عام ١٩٨٢: لا تطلقوا النار علينا فإننا منسحبون۔
منسحبون نحن منكم، ولقد سجل التاريخ أسماءكم بحروفٍ سوداء قاتمة، وقال فيكم: أنتم العار، والعار منكم براء۔
لا يوجد أي تعليق، كن الأول و ضع تعليقك الان.
مكتبة الصور
والموقع ليس مسؤولا عن ذلك.