الأم:
محبة تضحية وإيثار
أمي صنعتني
الكاتب: مريم شعيب
يقول
توماس أديسون: "أمي هي التي صنعتني، لأنها كانت تحترمني، وتثق بي، أشعرتني
أني أهم شخص في الوجود، فأصبح وجودي ضروريّا من أجلها، وعاهدتُّ نفسي ألاّ أخذلها
كما لم تخذلني قط".
كلمةٌ تحمل ما لا حدود له من
معاني الحب والعطف، تسمو ارتقاءً وتبقى سرًا يكتنز دفءَ الحياة الصعبة، فتغدو
الميناء بعد كلِّ سفر في شتى المجالات. تغرس فينا كلّ مبادئ الحياة على اختلافها.
تتابع تفاصيلَها بما يسودها من ألم وفرح تعثراتٍ ونجاحات، ترافقنا فيها متلمسةً كل
تغيراتها. تخفي بداخلها كمًا من مشاعر الخوف والقلق علينا، محاولةً إخفاء تلك
الملامح لترى السعادة على وجوهنا. فطبيعتها البيولوجية والنفسية مهيأة لأن تتحمل
الآلام من أجل عائلتها، تمنح الكثير ولا تأخذ شيئاً وإلا فالقليل جدًا، تحبّ
بإيثارٍ راضيةً سعيدة، تدفعها لذلك غريزتها القوية أي "الأمومة".
هي الأم... عطرٌ يفوحُ
شذاه.. وعبيرٌ يسمو في علاه، كوكبٌ مضيءٌ بذاته... يزهو بهاءً في سمائه. إنسانةٌ
تغدق عطفًا رغم تعطّشها للحب، مربّيةٌ تضجّ تضحيةً رغم حاجتها للمساندة، بانيةٌ
تستحقّ التقدير لكنها لا تطلبه...
هو ذا جمالُ الأم وإبداعها، وتلك هي بصمتها في نفوسِ أبنائها،
أليست جديرة بالحب، والثناء، والتقدير؟
قيلَ وقيلَ عنها، ومهما قيل،
تبقى حاملةً في طياتها الكثير والكثير، هي الكلمة التي تشترك بلفظها شفاه العالم
أجمع حروفها تلازمنا ما بقينا، ولا نحسِنُ فنَّ التعبير عن توصيفها بما تحمله مشاعرنا
تجاهها وما تستحقه بالفعل ومهما قلنا وقلنا فهو قليل قليل، لا يفها حقها.
إلاّ أننا اليوم نجد
أنفسنا أمام سؤالٍ لطالما يطرح نفسه، وهو: هل تبدّل دور الأم حديثًا في الرعاية أم تبدّلت هي ذاتها؟
الأم في مجتماعتنا الحديثة
ليس يرقى الأبناءُ في أمّةٍ ما
لم تكن قد ترقّت الأمهات
هذا الدور السامي الذي منحه
الله تعالى للأم ليكّرمها به ويجعله طريقًا لها تسلكه لجنان خلده، لم يتغيّر
بتغيّر الظروف في المجتمعات المعاصرة، إلاّ أنّ هناك بعضٌ من النساء اللواتي
انغمَسْنَ بمغرياتِ الحياة ومظاهرها الخارجية، فانتزعنَ صفةَ الأمومةِ عنهنّ
وتناسينَ أدوارَهنّ في تربيةِ الأبناء، مُحاولاتٍ التملّص منها. فأصبحت الأم
المعاصرة تطلب أكثر مما تعطي، فيبلغ إهمالها لأولادها ذروته، مقتنعةً مصرّةً على
إلقاءِ عبء ومهمة توجيه الأولاد، على الأب والمدرسة. وقد يرجع ذلك أحيانًا، إلى
فقدانِ هذه الأم للعناية والتوجيه من أمها مسبقًا، لتمشي تطبيقًا لقاعدة
"فاقد الشيء لا يعطيه". ولا يخلو الأمر من وجودِ أمهاتٍ يشغلن أوقاتهن
وتفكيرهن، ويعطين أقصى جهدهن لتأمين السعادة لأسرهن..
إنّ دور الأم هو الأساس في
كل المجتمعات المتطورة والمتخلفة، سواء كانت الأم مثقفة أو جاهلة، شابة أو مسنّة،
إذ لكل واحدة منهنّ دورها الجلي الذي يميّزها في توجيه طفلها توجيهًا صالحًا، تعمل
من خلاله على وأدِ الأسباب المؤدية إلى الانهيار التربوي في مجتمعاتنا الحديثة. إذ
قد يؤدي الاختلاف بين تقاليد الأم وما يعيشه أبناؤها في عالمٍ مختلفٍ تمامًا لخلق
مشكلة تسبّب انسلاخِ الولد عن بيئته وأهله، سالكًا طريقًا تؤدي لانحرافه أو
تماسكه، ففي كلا الحالين، يعود أصل التوجيه فيما ورثه هذا الولد إلى من كانت مصدر
بدايات إدراكه ووعيه، هي تورثه وتمنحه تربيةً وتوجيهًا صالحًا أم سيّئًا.
ونتيجة لانتشار العديد من
المظاهر الاجتماعية وتزايد أعباء الحياة، وانصراف الأم للعمل، عهدت بعضُ الأمهات
مهمة تربية الأبناء إلى المربيات على اختلاف جنسياتهن ودياناتهن فأصبحت هذه
الأخيرة، لا تقوم بمهمة حراسةِ الطفل أثناء نومه في غياب والديه فحسب، بل تعدّى
دورها ذلك ليشملَ الاعتناء بتفاصيل حياته، كطعامه، ونومه، وملابسه، تلاعبه، تسهر لمرضِه،
تقوم بما يحب وتبتعد عما يزعجه، وفضلاً عن ذلك فهي تعرف مزاجه وذوقه في كل
اختياراته، وترشد الأم إليها، لتحاول هذه الأخيرة تعويضه بالهدايا والألعاب
متجاهلةً ما يتولّد في داخله من صراعاتٍ وضغوطاتٍ نفسية يعجز التعبير عنها. يتعلق
بالمربية، يتعلم منها ما يحب، وتصبح بمثابةِ أمه التي لا يستطيع مفارقتها، تنصرِف
مشاعره عن أمه التي حملته وولدته إلى التي قامت بتربيته وأغدقت عليه كاهلاً من
الرعاية والاهتمام والحب والحنان، معوّضةً ما يفقده هو من حنان واهتمامِ أمه التي
تشغلها عنه تلك المظاهر الاجتماعية والمقاهي المسلية بحجة الترفيه والخروج من
الروتين اليومي، وكأن هذا الخروج من الروتين لا يحتاجه طفلها أيضًا.
إلا أنه قد تعمل الأم خارج
البيت وتترك طفلها لساعاتٍ محدّدة في رعاية المربية أو إحدى القريبات، لكنها تجيد
اهتمامًا به بعد عودتها من عملها كأن تطعمه بنفسها، تتولى تنظيفه والاهتمام بمظهره
وتدريسه، ما لا ينفي عنها صفة الأم المثالية إذا أحسنت التربية، وهنا لا يكون العائق
هو العمل بل ساعات العمل وكيفية تعامل الأم مع الطفل أثناء تواجدها معه. (وقد تعمل
الأم في أوقات دوام المدرسة) وأحيانًا عمل الأم قد ينفع الولد أكثر بانفتاحها على
مجتمعاتٍ علمية وثقافية تغيّر مجرى تعاملها مع الطفل، إذ تتفتح أمامَها آفاقٌ
علمية واسعة تسهم في تنمية مواهب الطفل وتطوير مقدرته.
وعليه فإنّه لا بدّ في حالة
الأم العاملة من توافر الرعاية التامة للولد والعناية به بالقدر الذي يحتاجه، عن
طريق علاقتها به، وطريقة التفاعل بينهما وهذا ما يعبّر عنه خبراء التربية "بحساسية
الأمومة". وهذا أمر غاية في الأهمية على الأم مراعاته في حال العمل.
إذ
تقع أغلب الأمهات في حيرة لصعوبة اتخاذ مثل هذا القرار، حيث تجد نفسها بين ضغوط الرغبة
الذاتية في تحقيق شخصيتها واستقلاليتها المادية، وضغوط واجباتها ومسؤولياتها والتي
أثبتت التجربة أنه لا أحد آخر يستطيع القيام بها كما ينبغي. إلا أنه يجب التفكير في
هذا الأمر من منطلق الترجيح بين الفوائد والأضرار القائمة والمتوقعة. فإذا كان البيت
ينقصه الكثير من الضروريات وأمكن تدبير أمر الأبناء ورعايتهم، فهنا قد يرجّح قرار الخروج
إلى العمل. أما إذا كان غير ذلك ولمجرد ميل شخصي للمرأة، فإن عليها أن تعلم أن أهمية
تربية الأبناء ترجّح، ما عداها من الفوائد المحتملة.
وتبقى حقيقة واحدة لا يمكن إغفالها، وهي عدم وجود أية مميزات واضحة لأي خيار من تلك الخيارات. فالأمهات العاملات يشعرن بالنقص وعقدة الذنب من عدم الاهتمام بالطفل طوال الوقت أو اصطحاب الأولاد لحضور النشاطات المدرسية، بينما تشعر الأمهات غير العاملات بالعجز وقلة الحيلة والعزلة مقارنة مع الأمهات اللائي شقَقْنَ طريقهن في دنيا العمل. ومثل القرارات العائلية الأخرى، فإن قرار الالتحاق بوظيفة أم البقاء بالمنزل هو قرار خاص للغاية.
ننتظر المزيد مثل هذة المواضيع الرائعة
اجمل ما يكتب الكاتب عن الام
قولنا والعمل
جميل جدا الاستشهاد بهذا القول فعلا أحسنتم الاختيار. موضوع الام لا تسعه الصفحات لكنكم أبدعتم في اختيار الجوانب الاساسيه وفي طريقة معالجتها.
مع التمنيات بالتوفيق وتزويدنا بمقالات هامه مماثله.
أود التعليق أن الأم هي التي تبني المجتمع الصغير الخاص بها ، والأمهات مجتمعة تبني المجتمعات المكونة للوطن ، ولكن دخول العولمة ومتطلبات الحياة أفقدت الأم بعضا من دورها ، مما أدى الى تراجع بناء هذه المجتمعات بشكل سليم ، لأن لا نهوض لأي مجتمع من دون دور الأم والذي سينعكس إيجابا على نهوض الوطن .
تجلت فيها صورة الأم الحقيقية في بيئتنا ،
وبرز فيها الدور الصحيح الملقى على عاتقها في أي صورة من صور المرأة كانت،
مع التحفيز على تحسين وتفعيل هذا الدور ليبقى الدور الأول والرائد لها مهما علا شأنها أو قل،
هكذا قالت مريم!
صنعت للحياة إنساناً صالحاً
فاستحقت أن تكون الجنة
تحت اقدامها
وبالفعل اذا الام راقية اكيد البنت رح تتطلع راقية ...
والموقع ليس مسؤولا عن ذلك.