رسم التسجيل وبدَل القرطاسية:
توأم الشهر
الكاتب: مريم شعيب
كما
كل عام ها هما الشهران يعودان أيلول الحزين استعداداَ للاستنزاف المدرسي وتشرين
العودة المشروطة برسم التسجيل وبدَل القرطاسية.
وبدلاً أن تشكل العودة إلى المدارس فرحةً نلمحها في عيون الأهالي تترجمها نظراتهم
الآملة بمستقبل باهر يرسمونه لأولادهم، أصبحت تشكل هماً كبيراً يتمثل بثورة التذمر
وصرخة الغضب التي يترجمها صمتهم الكئيب لا من غلاء الكتب وارتفاع الأقساط فحسب، بل
من فرض رسوم التسجيل وبدل القرطاسية وإلزامهم به.
"رسم التسجيل"
مصطلح لم أسمع به سوى مرة واحدة في حياتي عندما انتقلت من مدرسة إلى أخرى للترفّع
من مرحلة إلى أعلى، رغم أني كنت في بلاد ما يسمى "بالعالم الثالث"، حيثُ المغترب اللبناني ميسور الحال وقادر على تحمّل تلك الكلفة، إلاّ أن المدرسة وإن
كانت لبنانية لم تكن وما زالت تعرف ما يسمى بالاستغلال، وأعتقد أنّ المرادف
الأساسي له هو التسجيل في هذه المدرسة أو تلك وليس في هذا الصف أو ذاك، لأن إنهاء
برنامج صفٍ معين، بدلاته المادية تتمثل بالقسط السنوي. وإذا كان الهدف تأمين
المقاعد الدراسية لكل طالب، فينبغي تأمين المقعد تلقائياً للطالب المسجل مسبقاً
لأنه مؤكد لن يترك المدرسة وينتقل إلى مدرسة أخرى دون سحب إفادة نجاح من إدارة
مدرسته، وبالحالة هذه لن يترك لهم المقعد شاغراً دون إمكانية ملئه بطالب آخر يدفع
رسم تسجيل جديد.
ألا يعني ذلك زيادة الأعباء
المالية على الأهالي واستنزاف جيوبهم، ليس فقط لتغطية المصاريف المدرسية من رواتب
وأجور لأنها محتسبة تأكيداً ضمن الميزانية المعتمدة لتقسيم الأقساط والتي هي قانون
ثابت لدى تلك المدارس الخاصة، بل لتحقيق معدل أكبر من الأرباح الصافية بهدف
التجارة الناجحة، وإن كان رسم
التسجيل مقبولٌ على مضض عند الأهالي في المدارس الرسمية إلاّ أنه له مبرراته كونه
دفعة رمزية جداً من القسط السنوي الذي تتقاضاه المدارس الخاصة والذي تتوّجه أيضاً
برسم التسجيل.
من جهة أخرى إلزام الأهالي
بشراء القرطاسية من المدرسة وبأسعار فاحشة الارتفاع إذ لا يتعدى سعر الدفتر في المكتبات
2000 ليرة بينما يقدر سعر العشرة دفاتر وعلبة الأدوات الهندسية وثلاثة أو أربعة
أقلام والممحاة والمبراة بمئة أو مئة وخمسون دولاراً على الأقل، مع إمكانية سحب
دفترين أوثلاثة في السنة زيادة للطالب الذي يسرف في الكتابة بخطٍ كبير.
فهل يحق قانوناً لتلك المدارس
التي رخص لها كمؤسسة تربوية تحمل رسالة التعليم أن تتحايل على القانون وتنقلب إلى
مؤسسة تجارية تبيع القرطاسية بحجة وضع شعار المدرسة على دفاترها، فإن كان غرضها
التذكير الدائم لطلابها باسم مدرستهم
ينبغي أن تقوم بذلك مجاناً على سبيل الدعاية كهدية للطلاب، بهدف استقطاب
طلاب جدد كل عام. فضلاً عن إلزام الأهالي بشراء الكتب من المدرسة عينها أو من إحدى
المكتبات التابعه لها، أو التي تم التنسيق معها مسبقاً حيث تتقاضى إدارة المدرسة
ربحاً معيناً منها.
وبهذا الخصوص جاء في بلاغ وزارة الاقتصاد سابقًا: تذكير
"جميع المؤسسات التربوية لا سيما المدارس الخاصة التي تقوم ببيع الكتب
المدرسية والقرطاسية وسواها من المستلزمات الدراسية، بضرورة التقيد بالأحكام
القانونية النافذة، لاسيما تزويد أولياء أمور التلاميذ بلوائح الكتب والقرطاسية
وسواها، وعدم إلزامهم بشرائها من المدرسة أو أية مكتبة أو مؤسسة بعينها". ودعا البلاغ المؤسسات التربوية والمدارس الخاصة الراغبة في بيع الكتب
والقرطاسية واللوازم وسواها "التقيد بموجب التسجيل كمؤسسة تجارية تتعاطى بيع
الكتب والقرطاسية واللوازم، والقيام بكافة الإجراءات القانونية والمالية المعمول
بها". وحذر جميع المؤسسات التربوية والمدارس الخاصة من أن "دوريات مديرية
حماية المستهلك والمصالح الإقليمية في المحافظات سوف تقوم بالتشدد في ضبط
المخالفات، وإحالة أصحابها إلى النيابات العامة المختصة". ولكن هل تم العمل
بذلك أم يبقى كما اعتدنا مشروع بلاغ أو مشروع قرار؟.
وفي تصريحات خاصة من أصحاب المكتبات ضمن جولتنا أكد
معظمهم، أن إقبال الأهالي على شراء الكتب المستعملة يزيد كل عام حتى فاق هذا العام
الإقبال على شراء الكتب الجديدة عند بعض المكتبات، نظراً للأزمة المادية التي يمرّون
بها، إلاّ إذا تضمنت اللائحة بعض الكتب المعدلة والمطبوعة في العام 2017 والتي
يلتزمون بشرائها جديدة ولو على حساب حرمانهم من أشياء أخرى داخل المنزل خوفاً من
توبيخ المدرسين المحترمين للطالب وإحراجه أمام رفاقه، ضاربين عرض الحائط الوضع
المادي للأهالي حيث يقسّمون مشترياتهم بحسب ما يقبضونه من رواتب أو سلف أو حتى
إنتاج معين.
وبعد أن رضي الأغلبية بهذا الوضع ورضي الطالب مرغماً على
بدء عامه الدراسي بكتاب مستعمل، فرضت بعض المدارس أن تكون معظم الكتب هذا العام من
طبعات جديدة.
وعلى الرغم من التخفيضات التي قد تُقدَّم، نلحظ تجارية
تلك المدارس بالإشتراك مع المكتبات ودور النشر المعتمدة (والتي تسعر الكتب
بمزاجية تامة بحيث يختلف سعر الكتاب بين دار وأخرى باختلاف لونه أو تصميم غلافه لا
باختلاف محتواه)، بدليل أنّ أسعار كتب المدارس الرسمية رخيصة جداً لدرجة أن
تجهيز أربعة أولاد بكتب وقرطاسية لا تتعدّى كلفته نصف كلفة لائحة الكتب المطلوبة
لتلميذ واحد في مدرسة خاصة.
كما حمّل بعض الأهالي إدارات المدارس المسؤولية التامة في
جريمة الاستنزاف التي تطالهم من ناحية إلزامهم بالزيّ المدرسي والذي إن كان له
إيجابية في عدم استهلاك التلميذ لملابسه على مدار السنة إلا أنهم يستغلون هذا
الشيء بفرض أسعار لا تصدق إذ فرضت إحدى المدارس، مريولاً لصفوف الروضات قدّر سعره
بخمسون دولاراً وما فوق، رغم رداءة قماشه وألزمت الأهالي بشراء بدلين لكل تلميذ
هذا ولم تفرض بعد ملابس فصل الشتاء من كنزة صوف وجاكيت وبيجاما الرياضة وغيره...
رغم كل ما تقدّم فالقرطاسية والملابس المدرسية حاجات يزهو بها الطلبة وهم يتوجهون إلى
مقاعدهم الدراسية آملين بالرقي والنجاح وتحقيق المستقبل الباهر، وهي بسيطة لو ساهمت
المدارس بتخفيض أسعارها أو سمحت بشرائها من الخارج، بحسب مقدرة ورغبة الأهالي بتجهيز
أولادهم بكل الاحتياجات والسلع المختلفة والمشوّقة وطبعاً بتكاليف أقل، رغم أنّ
ارتفاع اسعارها يقف حاجزاً في نفوسهم
يضطرهم إلى التقنين فيها وسط حسرة شديدة، حيث تضطر بعض العائلات إلى شراء
نصف المواد من النوعية المخفضة أسعارها (متوسطة الجودة) وإكمال البقية بما يتناسب
مع راتبها من النوعيات المرتفعة الثمن عالية الجودة، رضوخًا عند مطالب وإلحاح
الأولاد ورغباتهم باقتناء ما هو جميل وحديث وعدم إمكانية فرض عليهم ما نريد أو
الوقوف ضد رغباتهم وأحلامهم وهم يواجهون العام الدراسي الجديد، فيتأثرون
نفسيًا في الوقت الذي توفر العائلة كل الاستحضارات لنجاحهم في مهمتهم الجديدة.
وهنا
سؤال يفرض نفسه، "من الجاني هنا هل المدارس أم التجار أم وزارة الاقتصاد
التي ينبغي عليها حل تلك الأزمة عبر عدم فرض الرسوم الجمركية على مستلزمات المدارس
والقرطاسية؟"، ولكلٍ في نفسه جوابٌ يرضيه.
والموقع ليس مسؤولا عن ذلك.