
تاريخ جديد
"تنذكر ما تنعاد"
عنوان للحروب اللبنانية
الكاتب: مريم شعيب
أحدثت
الحروب حالات كبيرة من القتل والدمار وإشاعة الخوف والإضطرابات في مختلف أرجاء
العالم، ما ساهم في نشوء تكتلات دينية وقومية وعرقية وسياسية مختلفة وأشاع الاختلاف والتخندق داخل منظومات
سيئة عملت على تهديد الأمن العالمي، بل وعبثت بحياة ومستقبل الكثير من شعوب ودول
العالم. فسببت العديد من حالات الفقر والمرض وغياب فرص العلاج ونقص الأدوية إلى
جانب ما أحدثته من خسائر في الأرواح والممتلكات وغياب الأمن والاستقرار،وتراجع
العمل التجاري وفقدان فرص العمل في كافة مجالاته، ما يترتب عليه تراكم المشاكل
النفسية والاجتماعية داخل المجتمع. فضلاً عما تحدثه الحروب من شرخٍ في الأسر وتبدّلٍ
في مستويات السلوك والأخلاق والإطاحة بالقيم والأعراف والتقاليد والعادات.
حرب
تموز (حسب التسمية الشائعة في لبنان) أو حرب لبنان الثانية (حسب التسمية
الإسرائيلية) والذي يسمى في بعض وسائل الإعلام العربية "الحرب الإسرائيلية
على لبنان 2006، هي العمليات القتالية التي بدأت في 12 تموز (يوليو) 2006 بين قوات
من حزب الله اللبناني وقوات جيش الاحتلال
الإسرائيلي والتي استمرت 33 يومًا في مناطق مختلفة من لبنان.
توقيتها المتبدَّل:
في
خضم الصراع العربي الإسرائيلي،وإصرار إسرائيل على إبقاء مختطفين لديها، وإصرار "حزب
الله/ لبنان" على تبني تحريرهم، وبعد مرور حوالي 30 عامًا على سجنهم،
ويأس المفاوضات غير المباشرة لإطلاق سراحهم، قرر حزب الله أسر جنود إسرائيليين
لتحرير بقية اللبنانيين وغيرهم من المعتقلات الإسرائيلية، وفي 12 تموز 2006 هاجمت
المقاومة الإسلامية صباحاً قوة عسكرية إسرائيلية في "خلّة وردة" في
مزارع شبعا اللبنانية المحتلة نتج عن ذلك مقتل ثلاثة
جنود للعدو
وأسر جنديين، ما قرّب موعد اندلاع الحرب المعدة لتنفجر في توقيتٍ مناسبٍ لإسرائيل.
سميت
العملية العسكرية لأسر الجنديين بعملية "الوعد الصادق" بحسب بيان المقاومة.
نزوح واستشهاد
عندما
تشمّر الحرب عن ساعديها يصبح البشر مشاريع ضحايا هاربة، نزح أثناء هذه الحربحوالى
النصف مليون لبناني من مناطق القتال فقد استقبلت المدن النازحين فيما لجأ آخرون
إلى المناطق السورية واستشهد أثناء النزوح العديد من المدنيين، جرّاء استهداف
سياراتهم من قبل الطيران الإسرائيلي. لم يكن في حسابات إسرائيل مناطق آمنة فكلها
كانت هدفًا لها أينما وجدت.
تنذكر ما تنعاد:
مصطلحٌ
يطلقه كل اللبنانيين عندما تتفوّه بذكر "حرب تموز" والتي باتت وكأنها
مغامرةٌ عاشها كلّ شخص ويفرح لذكرها رغم ما أصابه خلالها من خسائر مادية جسدية أو
بشرية لفقدانه قريب أو صديق.
لم
يكن في منزلنا على طريق المطار سواي ووالدتي ولم نكن نرغب بتركه، كنت بعد كلِّ
انفجار وتدمير أهرع لالتقاط صورٍ تذكارية. لم تكن مهمتي الصحافية هي التي تدفعني
بقدر ما ما يدفعني شعور بتصوير ما هو مدمر تدميرًا كليًّا بل مؤقتًا لعلمي بأن
عزيمة الشعب اللبناني تعيد بناء ما دُمِّر. كانت البلديات تقوم بإصلاح وإزالة ركام
ما دمّره العدو تحت دويّ الصواريخ والقنابل، ما كان يساعد على محو معالم بعض
التدميرات حيث كان الإعمار والإصلاح يعقبان التدمير فورًا.
ما
تمنيت يومًا أن تنتهيَ الحرب، بقدر ما كنت أنتظر نهاية العدو كما كان هدفه
إبادتنا، فلنخسر أجسادنا وبيوتنا طالما روح المقاومة ستبقى في نفوسنا. فالمقاومة
استمرار، فليقتلونا فإن شعبنا سيعي أكثر فأكثر.
مهما
قلنا ومهما كتبنا من شعر وكلمات ومقالات وطنية، نعجز عن وصف الكارثة، بل وصفناها
فعلاً بتحقيق الهدف حين أطل وجه لبنان منفرجُ الأسارير بسام.
لم
أعش يومًا نزوحًاقسريًا في لبنان. حاولنا الصمود، إلاّ أن اقتراب الصواريخ والضغط
من الأقارب والأهل جعلنا نترك منزلنا رغمًا عنا متوجهيننحو منطقة رأس بيروت
المتفرّعة من الحمراء والتي كانت كعادتها مزدحمة بالناس. ازدحمت تلك المرّة ليس
بالسياح فحسب، بل بالنازحين إليها من كافة المناطق.
كانت
وسائل الإعلام توزّع على أقطار العالم خبر سقوط الصواريخ والقذائف المحرقة على
الأحياء، حيت توشك لعظمة الأخبار أنها خيالية خرافية، لكنها كانت حقيقية واقعية.
رأيت
النازحين من كلّ صوب مشرّدين هاربين محاولين النجاة من طريق ليفاجئهم الموت في آخر.
وبين الحلم بالنصر القادم ونظرة الأسى في عيون هؤلاء الذين خرجوا من بيوتهم باتجاه
مناطق جديدة وبيوتٍ جديدة، يبدأ تاريخٌ جديد يسطّره الذين تركوا وراءهم ذكريات
الفرح والتعاسة في بيوتٍ مجهولة المصير.
كانت
الليالي تتّسم ببريق النار ودويّ الصواريخ والقذائف، وكانت إذا انفجرت قذيفةُ
مدفعٍ احمرَّ جانبٌ من الأفق حيث انطلقت، واسودّ أفقٌ حيث سقطت. والأعداء كانوا
دائمًا كالحجارة لا ترق ولا تلين. واللبنانيون يعيشون النصرَ من أول يومٍ للحرب
حيث ازدانت شاشات التلفزة وإذاعات الراديو بالغناء الوطني وقصائد الشعر الوطنية
راسمين فرحة الانتصار منذ أول طلقةِ مدمّرة.
هل يعود لبنان القديم؟
عملت
الورش على إزالة الدمار والردم، وعادت المباني أجمل مما كانت، إلا أن اللبنانيين
ما زالوا يسائلون أنفسم هل يستطيعون فعلاً العودة إلى "لبنانهم" القديم،
لبنان "سويسرا الشرق"؟
عاش
اللبنانيون واقعًا ماديًا مريرًا تمثّل في الدمار الذي أصاب البنى التحتية، التي
لم تكن أصلاً قد شهدت أي نوع من أنواع الصيانة والتطوير منذ عشرات السنين.
أكثر
من ثلاثة أشهر دون كهرباء بشكل كامل، تبعها برنامج تقنين قاسٍ، وبالتالي لا مياه
إلا فيما ندر، أضرارٌ جسيمة في شبكات الهاتف الداخلية.
إقتصاد
لبناني مستنزف، وجد ذاته بعد عشر سنواتٍ من الحرب مفتقدًا إلى الإمكانات المادية
والبشرية الذاتية الكفيلة بإخراجه من الدمار الذي لحقه.
هل
الهمة في إعادة بناء الأرصفة وإعادة تأهيل شبكات الطرق، تكفي وحدها لإعادة صياغة
وطن طالما حلم به اللبنانيون؟
لقد
أجمع اللبنانيون على تنفيذ نصوص "إتفاق الطائف" دون تلبّس روحه، وإعادة
بناء الحجر دون بناء الإنسان، خطواتٌ منقوصة لا تشيد وحدها الوطن الحلم.
إنهم
اليوم يبحثون بجدٍّ وكد عن المقوّمات الروحية والسياسية والاجتماعية والحياتية
الكفيلة بإزالة "خطوط التماس" من النفوس، لأن هذه المقوّمات هي وحدها
القادرة على تحقيق الحلم، وبناء الواقع النموذجي.






برافو مريم. وبتمنالك التقدم اكتر واكتر
ومهما كتبنا الكتابه ما رح تكون كافيه للتعبير انت بستاهلي ينكتب عنك كلام ما بعدو كلام.
عندما قرات المقال تخيلت الكاتب هو "هيكل" ولكن عندما قرات الاسم تيقنت انك اهم منه.
أبارك بك هذا الأسلوب الشيّق في العرض ما يجذب القاريء على تكملة النص مهما طال. أصبت الهدف من الفكرة الأولى، وشملت النقاط جميعها باختصار واضح ومعبر.
تحار حين تقرأ منتَجًا للاديبة والصحافية مريم شعيب ..يأخذك جمال قلمها الوصفي الى امداء فيها تصاوير ابعادها الخيالية تخالها واقعا معيوشا يلامس وجدانك..
مريم..كما خبرتها شاعرة وصحافية وابنة البيت الادبي..تحشد كل ذلك في مخطوطاتها..
تحار من تخاطب فيها...لكنها بيراعها الجميل تاخذك الى ذلك كله.
صح علينا بناء النفوس قبل بناء الحجر.
اتقدم منكم باحر التعازي
لقد اجدت مريم بنقل المشاعر، وتجسيدها إحساسا مثابرا، وقلما يقبض على المداد بنا يكون هذا اﻻتزان والبيان.
والموقع ليس مسؤولا عن ذلك.