لطالما يعود من محجّه هناك۔۔۔ من غياهب الذاکرة۔۔ صورؑ وحکايات، ککواکب الضوء الکاتب: أحمد عبد اللطيف وهبي
(2)لطالما يعود من محجّه هناك۔۔۔
من غياهب الذاکرة۔۔
صورؑ وحکايات، ککواکب الضوء
الکاتب: أحمد عبد اللطيف وهبي
الحكايا المريحة، أكاذيبٌ بيضاء، لبن العصفور، أو ننام في عش عصافير، ومهما دَهَمنا الوقت، قبل وبعد، لا نستكين، تقول الملائكة لا يهم، لكن علينا التأقلم، فمن نراه في المرآة يكون مزعجاً، أو شاكياً، أو يودُّ لو يغيب.. ربّما لوقتٍ، يخلد فيه مع ذاته، ويدي الباردة تلامس دفءَ أمي، قالت.. لا عليك بُني، هل ستحزن لغيابي...!!۔
أُمسكُ بيدكِ أمي، كي لا تنتهي الحكايات، وإذا ما أزفَ الرحيل، تعلّقتُ بروحكِ تسحبني للأعلى، إلى مهد طفولتي، أحبو والنجوم والأزاهير والكواكب، فإذا ما أدركتُ مواكبَ البشر، أخذني الهوى بسحره، أسابقُ الزّمنَ والمواعيد، لأنّكِ الحبُّ وسلامي.۔
تعتصرُني الأفواهُ والظّنون، والجزءُ الغائبُ منّي في رواحٍ ومجيء، أسهرُهُ جدلاً، غايةً لسهوبي، لحُطامٍ خامٍ منذ انقراض الكائنات ما قبل البشر. وأشار شرطيٌّ السير كي نتمّهل للتوقّف، والنُخَبُ الوهمية تدور على وجه الأرض، فتمّهلتُ اقترابي، وحاذرتُ شتّى الأشكال الطارئة، ولستُ منصفاً، لكنّي محاطٌ بسفّاحين، وبأنّي جزءٌ من تلك الصورة المعاكسة الكونية، ولستُ ضالعاً في القتل، ومَن قابلتهم يوماً، يحضرون من غياهب الذاكرة، كأنّها عوارض الألزاهايمر، ومَن لا يدري، إن الخرفَ لجميل، يأخذ بالمرء إلى ماضيه، وما كان قبل الغياب، سيكون بعد الغياب...۔
الحقيقة كالمدِّ والجزر، وجهُها يُفزِعُ، والمرتبكون، يُطاردون السراب، وتلك القضايا الحياتية تخضع للتحوّلات. أذكر أياماً كنتُ أخطوها لتشكيل معادلاتٍ جديدة، كانت في شكلٍ مختلف، وبأنّها مجرّد وهمٍ. منذ رغباتٍ سابقة، وقعتُ على مجلاتٍ قديمةٍ سابقةٍ لوجودي في الدُّنيا، وجدتُ فيها مختلف المتع اللاحقة، من حينها قرّرتُ أن أكتب، كمن استيقظَ من سُباتٍ طويل، ثمّ رويداً رويداً، اكتشفتُ لغتي وأسلوبي، اعتمالاتي وأضدادي، ذاتي الشغوف، تحبُرُ الحروفَ والكلمات، تتجرّعها كطفلٍ على صدر أمه، وإذا ما بلغتُ سنَّ اليفاع، أكتب عشقي كحبيبٍ على صدر حبيبته، والأعوام تتصدّر الأنفاس، تتوه فيها القوانين والحقائق، والخط الفاصل بين الوجود والغياب، بين الحلم والهدف، بين الحلم والواقع، بين العمران والخراب، بينها بجموع الحياة، بجنوحها وعجقتها، بصهبها وصخبها، بعمقها ودلالاتها، رُحتُ أتعرّفُ إلى نفسي في الوجود، أُدرِكُ فيَّ تلك الأبوان والأبعاد. مفتاحُ أسرارِها، كلمةٌ أُطلِقُها، تتفتّحُ نصوصاً وجدانيةً بحلّةٍ قشيبة، هاتي العوالم الافتراضية المنكّهة الصورة والإحساس، أتبادل وإيّاها رؤىً، صوراً وأفكاراً، تتوسّع صفحاتها، تصيرُ أصدقاءً رائعين ملفوفين بفيوضات المِدادِ والحُب۔
الأجساد مراكبُ ذاتها، تصير بعد تمارين متتابعة في خانة المهنة، تُدهِشُنا حركاتٌنا، فتوّةُ الصِبا والشباب، وكلُّ التفاصيل كيف نكون بأجسادنا؟ كما لو ننتقل من شخصٍ إلى آخر، لأنّها الحياة تستند إلى كيفية عمل أجسادنا۔
تقول الشّوراعُ، الفضاءاتُ.. ظلالَنا وخيالاتِنا، يقول الوقتُ كلاماً آخر، إنّهُ الزّمن من الآن وصاعداً، فاحذروني. ضحايانا، الذين نحن، نُفتّش بين الخطى عن وبَرِ الجلودِ، صوفِها وشعرِها، تجفلُ كلماتُنا عن الإعتراف، تعترينا رسائل السلاطين، تلك الممهورة بنجيع الأحلام، ونعرف، بأنّا لا نمكث طويلاً، لكنها الحياة لا تمنحُ غير طينها۔
كان حين يغفو، أذهبُ شغوفَ اللحظة، أزهى على ساعده، أبي في قيلولته اليومية، أُجاذبُ غفوَهُ باسترسال عينيَّ في سقف الغرفة، تستكشفان ما غاب عن بال النهارات والليالي، ومن خلال عروقٍ خفيةِ النسيج، اتذكّرُ حيطان مدرستي؛ فسمقتُ أحفظ أشكالها بأصابعي الصغيرة۔
لا تتوقّفُ الصورُ والحكايات، تلحقُ بي ككرات الضوء، أصغي لها باهتمام، ثمّ أسحبها من رأسي إلى صفحاتٍ تواصل النضوجَ بترتيبٍ ذاتيّ. أحاول أن أتخيلَ عوالمَ مجهولة، وكلّما اقتربتُ من وجهِ افتراضي، تبدو حقيقية، أتقامصُها بمرآة روحي، أسلكُ فيها مسالكَ عالمي، أطعنها بحُسن النوايا، الذين وقعوا في شِباكِ قلبي، يطلعون من تحت جلدي، يغزلون بلاداً نائيةً، من سُحُبِ وبحر صور، ترقص قرطاج فرحاً، معاً إلى حاضرة المتوسط۔
في كوّارات الحواضر والقراءات، في تآكلِ الشموس تتطاول فوهات الحياة، كأنّا نسمع وقع فحيحها وأفخاخها، وتلك الثقوب نُدخِلُ فيها الضجر، نُعلّقُ على جدران الضوءِ البنادقَ والعيون، أمام صورة العوالم، انفجر الكلام في فنجان القهوة، وتطايرت أسراب الألم بلا لون۔
كانتِ الوجوهُ تُحاكي انهمارَ المطر، نفَرَ عنها الهجوعُ لرياحٍ عاتيةٍ تضرب الأبواب والنوافذ، عينٌ واحدةٌ ساهرةٌ في ثقبها الأسود، لا تدع ضوءاً مهما بهتَ أن يعود، أو يعبر، يُصيبُ الأجسادَ تياراتُ الأمزجة۔
بقطرة ماءٍ وقعتْ على يدي، ربطتُ طائرةً ورقية، ثمّ أفلتها إلى وجهتها صوب الأرض المحتلة، بضع طائراتٍ أقلقت الرجل الأبيض، وجلسات دمارنا المتواصلة طوال قرن، فوق أغصان ليالينا الحامية، براعم تشقُّ العتمة۔
تحت أضواءٍ مطريةٍ حارقة، نزفت الحياةُ دماءً كثيرة، انصهرتِ السماءُ والأرض، سكنت، وخفتت أصوات الجدران، غامتِ الضحكات، اختفت الرؤوس عن أصحابها، والزّمن يكهل، نحتفي بقبورٍ تُصفّقُ جثثُها في الخُطب الرنّانة۔
وجدتُني وحيداً أهزُّ الهلالَ، غريباً أطوف حول القبور الجماعية، ومشهد الحبِّ والحرب، غريزة البقاء بواو العطف، والسُبْلُ ظلالٌ واقفة، أماسي وأصباح غريبة، أناشيد تتضخّم بأدوات، بأساليب القتل، مراثي الغياب والمنافي، جنازاتٌ برسم العقائد السماوية، كم قُصِفنا وقُتِلنا باسمها، وفوق يديَّ أماني، أودعتها في أعماق الروح والثرى، وجثوت عند شاهدة أمي، وأبي ضمير متصل، لطالما أراه عائداً من محجّه هناك۔
جميل
راٸع استاذ احمد
شکرا
جميل جدا
نوستالجيا
الحنين الإيجابيّ للماضي، أو النوستالجيا، غالبًا ما ينشأ في حالات الملل أو الشعور بالوحدة والاغتراب والعزلة، شعور يصيبنا حين نشعر بأنّ تغيّرًا كبيرًا حدث معنا للأسوأ، فيستدعي العقل ذكريات الماضي الجميلة بما فيها من عواطف إيجابية تمكّنه من التعامل مع التحديات الحالية وإعلاء قيمة الذات وزيادة الشعور بتقديرها. وقد يكون الحنين الإيجابيّ متزامنًا مع استياء عميق من الحاضر ما يجعلنا نبحث عن طريقة نهرب فيها إلى عالم متخيّل أقرب للمثالية في الماضي البعيد. بحيث يمكن اعتبار الذاكرة والنوستالجيا وسيلةً لإعادة كتابة الذات، فما نتذكّره هو ما يشكّل ذواتنا، وإذا فقدنا اتّصالنا بذاكرتنا فإننا نفقد اتّصالنا بذواتنا، وإذا تذكّرنا بشكلٍ سلبيّ يعني أنّنا ننظر، بشكلٍ أو بآخر، لذواتنا وأنفسنا بشكلٍ سلبيّ. في المقالة جملة غاية في العمق: "ومَن لا يدري، إن الخرفَ لجميل، يأخذ بالمرء إلى ماضيه،" ما اجملها من صورة ابدعتَ في رسمها استاذ أحمد اذ جعلت الخرف والالزهايمر اجمل ما يتمناه الانسان لذکرياته فيعيشها حاضرة کما کانت۔ شکرا على کتابتکم هکذا مقالات تغذي العقل والروح في زمن لم يعد فيه للغذاء۔
وافر التقدير
الغالية، الأديبة المميزة، الشاعرة المفعمة الوجدان، السيدة مريم شعيب... تحياتي القلبية،
لستُ أدري كلما أقرأ لي على صفحتك النور، أشعر بأنّي اتلو عليَّ مشاعرك الرائعه النبيلة، كلما تقرأين لي على صفحتي.. تصير كلماتك، تتفتّح سحراً، شكرا من أعماق اعماقي...
أسلوب فني رائع جاذب، وحديث القلب والنفس لا ينتهيان، لك وافر المحبة والتقدير والاحترام
لستُ أدري كلما أقرأ لي على صفحتك النور، أشعر بأنّي اتلو عليَّ مشاعرك الرائعه النبيلة، كلما تقرأين لي على صفحتي.. تصير كلماتك، تتفتّح سحراً، شكرا من أعماق اعماقي...
أسلوب فني رائع جاذب، وحديث القلب والنفس لا ينتهيان، لك وافر المحبة والتقدير والاحترام
مكتبة الصور
والموقع ليس مسؤولا عن ذلك.