الفوز بالتَّزكية: فوز مرشح في الإنتخابات
دون أن يكون له منافس
ما مدى شرعيتها رغم نص القانون عليها؟
الكاتب: مريم شعيب
في ظل الجو الإنتخابي الذي
عاشته بلداتنا ومدننا، تناقل الناس رسائل هاتفية، توصي بالتصويت لمرشحين بذكر
الدائرة واسم المرشح الموصى بترشيحه، مع أنها لم تتضمن تشهيراً أو تجريحاً بأحد من
المرشحين الآخرين، وهذا ما لا يُقبل. لكن ما مدى مشروعية هذا النوع من الرسائل في
ظل الحملات الإنتخابية التي يسعى فيها كل مرشح لكسب الجولة؟ وكذلك بعد انتهاء
المدة النظامية للحملات الدعائية، قبيل الاقتراع، وهل يقبل الطعن به في استيفاء
المرشح الفائز شروط الترشيح؟ لا يعاقب عليها القانون باعتبارها خملات إعلامية
للمرشّح.
فضلاً
عن ذلك فقد استبدلت هذه الوسيلة في أماكن أخرى بما يسمى "بالتزكية"، فما
هي التزكية إذًا؟
نصت المادة السابعة من المرسوم الاشتراعي رقم 118 سنة 1977
على أنّ "جهاز البلدية يتألف من سلطة تقريرية وسلطة تنفيذية". ويقصد
بالسلطة التقريرية، المجلس البلدي حيث يملك سلطة التقرير، ويقصد بالسلطة التنفيذية
الجهاز التنفيذي، وهو رئيس المجلس البلدي الذي يتولى تنفيذ سياسة المجلس.
كيف يتم تشكسل هذا المجلس البلدي؟
بمقتضى نص المادة الحادية عشرة من ذات المرسوم الإشتراعي
سالف الذكر: يتألّف هذا المجلس بالإنتخاب العام المباشر. وجاء نص المادة تحديدًا:
"ينتخب أعضاء المجلس بالتصويت العام المباشر وفقًا للأصول المتّبعة في
الانتخابات النيابية". إلاّ أن القانون شرّع ما يسمى (بالتزكية)، ولكن ما هو
المعنى الحقيقي لها؟
هل هي حرمان المواطن من حقه في الإنتخاب، وهو حق مقدس منحه
إياه القانون ومن جرّاء هذه القدسية إعتبره واجبًا عليه في الوقت ذاته. فإن كان
هناك بدٌّ من التزكية فيفترض أن يكون موافق على جميع أعضاء المجلس البلدي الذين تم
تعيينهم بهذه الطريقة، من غالبية سكّان البلدة. وهنا نكون بصدد التنازل عن حق
الإنتخاب، (بملىء الإرادة)، ولا نكون بصدد الحرمان منه.
وهو ما حصل في بعض البلدات، حيث احتج الأهالي معتبرين أن
كل فكرة كي يتم الاتفاق عليها، لا بد وأن تسبقها مسودّة تناقش مع كافة شرائح
وفعاليات البلدة حتى تأخذ شرعيتها بعد استكمال عملية النقاش بالتعديلات المطلوبة،
مطلقين على هذه اللوائح إسم "الإتفاق المعلّب مسبقًا"، والذي يتم في
الظلام الدامس فتكون نتيجته اختذال حقوق الناس في التعبير عن مواقفهم وقمع آرائهم
ومصادرة حق الإنتخاب الذي بات قبل هذه اللحظة هو آخر ما يملك الفرد للتعبير عن
موقفه. فضلاً عن أنه يعتبر ضغط على المرشحين الذين يرفضون هذا التعليب المسبق
ويؤمنون بالحق الديمقراطي وبحق كل فرد في التعبير عن رأيه، بالانسحاب من ساحة
المعركة الإنتخابية وترك الفرص لمن تم اختيارهم مسبقًا عن طريق هذا الاتفاق الذي
تم نعته (بالتزكية)، واعتباره مثلاً لروح التضامن والديقراطية.
وبالنظر في تزكية المرشح والتوصية أو النصح بالتصويت له مع
عدم التعرض لسواه بقدح أو عيب أو تجريح، إلا أننا نجد فيها جوانب تحتاج إلى شيء من
التأمل، منها أن المرشح المزكَّى في دائرة ما، ستؤدي تزكيته عند شريحة الناخبين
التي تقتنع بها إلى فقد المرشحين الآخرين لهذه الأصوات، وهذا مدخل الطعن فيها عند
من يطعنون بها.
والتزكية لا بدّ وأن تكون نتاج لعملية موازنة بين المرشحين في مسوغات النصح بترشيحهم، بين صالح وأصلح، لما يلزم تحديده لشخصية معينة في دائرة محددة، حتى لا تضيع الأصوات دون مقام الأصلح للولاية، وهو ما يرى المزكي لزوم النصح به، وهذا يعني أن من قام بالتزكية قد درس جميع المرشحين أو درس أوفرهم حظاً عنده بالوصول إلى المقاعد البلدية، ومن ثم وازن بين من يراهم أهلاً للتزكية، واختار أصلحهم فيما يراه، إلاّ أن التزكية في معظم البلدات اللبنانية قامت على إرضاء الجهات السياسية بتشكيل المجلس البلدي خوفًا من نجاح جهة على حساب أخرى وفقًا لما يميل له أهالي البلدة سياسيًا. نخلص للقول أن التزكية الانتخابية وإن شرّعها القانون إلاّ أنها غير قانونية ومخالفة له، ويُقتضى إلغاؤها من قانون الانتخابات عامةً، لأنها تحرم عددًا وإن قلّ من المواطنين من حقهم الشخصي بانتخاب من يرونه جديرًا بذلك لتمثيلهم في المجلس البلدي لبلدتهم، وجعل الإنتخابات فضلاً عن ذلك إلزامية كإلزامية التعليم.
لك كل الثناء والاحترام...
الله يوفقك دايم
أخسنت أستاذة مريم وفقك الله دوما وانعم عليك بهكذا معلومات وهكذا اسلوب في اختيارها وطرحها إذ يتمكن من فهمها كل من يقرأها، هنيئا لك هذا الاسلوب في العرض ومعالجة الموضوعات. الى مزيد من النجاح والتألق.
والموقع ليس مسؤولا عن ذلك.