
بين الحق والوظيفة
حقٌ
ووظيفة
أين
هو قانون الانتخاب اللبناني منها؟
الكاتب: مريم شعيب
تتنوّع وسائل إسناد السلطة إلى نوعين رئيسيين: وسائل
ديمقراطية وأخرى غير ديمقراطية.
تتمثل الغير ديمقراطية في إسناد السلطة بالوراثة
والاختيار الذاتي لشخص من يخلف الحاكم، كذلك بالثورة أو الانقلاب.
أما الوسائل الديمقراطية لإسناد
السلطة فتنحصر في وسيلة واحدة أساسية هي الانتخاب، والذي ينتج عنه باعتباره
الوسيلة الديمقراطية لإسناد الحكم، تكوين الهيئات التي تمثّل الشعب وتضطلع بالسلطة
والقرار نيابةً عنه.
وارتباط الانتحاب في العصر الحديث
ارتباطًا وثيقًا بالديمقراطية، جعل منه الوسيلة الأساسية لإسناد السلطة في
الديمقراطية المعاصرة. وذلك على عكس الديمقراطيات القديمة التي لم يأخذ الانتخاب
فيها مكانًا بارزًا، نظرًا لقيامها على أساس الديمقراطية المباشرة من ناحية،
ولأخذها بوسيلة القرعة بصفة أساسية من ناحية أخرى.
وقد أخذ الانتخاب هذه المكانة في
الوقت الحاضر بسبب استحالة تطبيق النظام الديمقراطي المباشر، ولأنّ الديمقراطية
أصبحت ضرورة حتمية في عصرنا وخاصة في بلدٍ ديمقراطيٍّ كلبنان. بيد أنّ الانتخاب لا
يكون معبّرًا عن روح الديمقراطية إلاّ بقدر ما يكون وسيلة لمشاركة أكبر عدد ممكن
من المواطنين في عملية إسناد السلطة. وذلك لأنه لا يكفي أن يكون إسناد السلطة إلى
المعنيين عن طريق الانتخاب ليصبح النظام ديمقراطيًا، بل يجب أن يكون حق الاقتراع
عامًا دون أن يكون مقيّدًا.
وعليه فقد اختلفت الاتجاهات
والآراء في تحديد الطبيعة القانونية للانتخاب، فبرزت في ذلك اتجاهاتٌ ثلاث:
· الانتخاب حق
إذ ذهب رأيٌ إلى تكييفه بأنه حقٌّ شخصيّ يتمتع به كل
مواطن، ويثبت لكلّ فردٍ باعتباره من الحقوق الطبيعية التي لا يجوز حرمان أحدٍ
منها. ويعتبر هذا من أهم نتائج نطرية سيادة الشعب، على أساس أنّ كل فرد منه يملك
جزءًا من هذه السيادة، وأنّ حق الانتخاب هو وسيلة الأفراد في ممارستهم لهذه
السيادة التي هي مجموع حقوق الأفراد جميعًا.
وهذا ما عبّر عنه (روسو) بقوله:
"إنّ التصويت حق لا يمكن انتزاعه من المواطنين". ويترتب على ذلك عدم
جواز تقييد هذا الحق بشروط معيّنة تحدّ من استعمال الأفراد له، أي أنّ الاقتراع
يجب أن يكون عامًا واختياريًا.
· الانتخاب وظيقة
لا
يعتبر الانتخاب حقٌ في هذه الحالة، وإنما هو مجرد وظيفة يؤديها المواطن نتيجةً
لانتمائه إلى الأمة صاحبة السيادة والقرار. وبما أنّ سيادة الأمة لا تتجزّأ ولا
تتوزع على الأفراد، بل هي ملكث الأمةِ في مجموعها، باعتبارها شحصية قانونية مستقلة
عن الأفراد المكونين لها. وبما أن حق الانتخاب يعتبر وظيفة، فإنه لا بدّ من أن
يتمتع من يمارسها بشروطٍ معينة للإدلاء بصوته في الانتخابات، كشرط الكفاءة أو
الثروة أو العلم أو غير ذلك، ويكون للدولة حق إجبار الفرد على مباشرة الانتخابات.
· الانتخاب حقّ ووظيفة
يجمع
أصحاب هذا الرأي بين الرأيين السابقين على أساس تكييف حق الإنتخاب بأن له صفتين،
صفة الحق وصفة الوظيفة معًا، إذ هو حق فردي لكنه يعتبر وظيفة واجبة الأداء في نفس
الوقت. فيُعتبر حقٌ عند قيام الناخب بقيد اسمه في جداول الانتخاب، ويتحول لوظيفة
تتمثل في الاشتراك في تكوين الهيئات العامة عند ممارسة عملية التصويت.
أين هو الانتخاب في لبنان بين هذه التصنيفات
الثلاث إذًا؟
· الانتخاب سلطة
قانونية
يبدو أن الانتخاب
اللبناني لم يجد له مكانًا بين التصنيفات السابقة، فالتكييف القانوني الصحيح له لا
يعتبره حقًا أو وظيفةً، ولا حقًا ووظيفة في آنٍ معًا، بل يمكننا اعتباره سلطة
قانونية تُعطى للناخبين لتحقيق المصلحة العامة (أو بالأحرى المصالح الخاصة).
وذلك على أساس أن القانون يتولى تحديد مضمون هذه السلطة وشروط استعمالها بالنسبة
لجميع المواطنين دون تفرقة. فيكون له حرية تعديل شروط ممارسة حق الانتخاب هذا سواء
بالتقييد أو التيسير طبقًا لمتطلبات الصالح العام (أي المصالح الخاصة)، دون
أن يكون لأحد أن يحتجَّ على ذلك من ناحية. ومن ناحية أخرى ليس في إمكان الناخبين
الاتفاق على حق الانتخاب بأي وجهٍ من الوجوه، باعتباره محلاً للتعاقد.
ويؤكد
ذلك أمل اللبنانيين الذي لا يتوقف في إقرار قانون انتخابي جديد، يؤمّن صحة التمثيل
ويلبي تطلعاتهم إلى بناء شراكة وطنية فعلية. إلا أن الانقسامات الحادة وتمسّك كل
طرف بالقانون الذي يضمن بقاءه لاجلٍ غير مسمى في السلطة، ما تزال تحول دون التوصل
لهكذا قانون. وعليه يفاجأ اللبنانيون قبيل
كلِّ دورةٍ انتخابية بقانونٍ جديدٍ معدّل، بما يتناسب ومصالح الهيئات الحاكمة دون
أن يكون له حق الاعتراض، فيلجأ إلى التخلي عن حقه رغمًا عنه بطريقةٍ غير مباشرة.
حقا فان الانتخاب وظيفة بالنسبة لنظرية سيادة الامة وحق لنظرية سيادة الشعب والانتخاب وظيفة وحق يذهب الى التأكيد على وجود بعض الحقوق الطبيعية للفرد وواحب من اجل التقليل من المواقف السلبية...
أصبت فعلاً حين أسميت حق الانتخاب اللبناني بالسلطة القانونية التي تُعطى للناخبين لتحقيق المصلحة العامة (أو بالأحرى المصالح الخاصة) كما أحسنت القصد. فنحن فعلاً وان مارسنا حقنا في الانتخاب لا نمارس حقنا في الاختيار لأننا نقوم بانتخابٍ شكلي.
التشكيلة جاهزة انتخبنا أم لم ننتخب سواء.
نعم فحقوقنا مصادرة جميعها، كيف إذًا نحصل على حق ممنوح فعلاً من الدولة، فلو فكّ المواطن مليًا لوجد فعلاً أنه بهذا الحق يؤدي وظيفة لخدمة الجهة المانحة، لأنه لا يملك الخيارات وأن تعددت اللوائح فكلها تصب في مصلحةٍ واحدة. نعم أبدعت في استنتاجك، وفقكِ الله لتنويرنا أكثر وأكثر بحقائق مخفية ومماثلة.
خلاصة القول أحسنتِ، وأحث على هكذا إبداع.
والموقع ليس مسؤولا عن ذلك.