"بوحُ آية"
وصل "العام
بالخاص"
في ضفيرة إنسانيةٍ متكاملة
الكاتب: مريم شعيب
الإبداع في مفهومها...وصلٌ ووصال... رؤية لحقيقةٍ ما،
تؤرقها... تحاصرها... حتى ينكسر حاجز العزلة وتلتئم "جزء مع الكل"
بارتقاءِ حروفها لنور.
"ذروةُ
تحققها" تجدها في "دورٍ عام" يتبنى احتياجات البشر ويرسم أحلامهم،
حتى وإن دفعت من حريّتها مهر قناعتها الفنيّة.
في "إبداعها" رقةُ أوراق الورد ونقاء قطرات
الندى وصدق البوح. في "ممارستها الفنية" مقاتلة لا تلين ولا تخضع إلا
لما تراه الحقيقة. مكنونها يفوق الإفصاح...
تملك قوة مراجعة الذات دون تنصّل من هنّاتها. فتاة عربية
لبنانية ذات تكوين ... ودور وملكات... إنها المعمارية الفنانة زهراء جمال مكة
حائزة على شهادة الماجستير في الهندسة المعمارية من جامعة (Architectural
association school of architecture) في لندن. وصاحبة مشروع "بوح آية" الذي هو تفسيرٌ
للآيات القرانية برسومات معبرة تبوح بالمعنى دون التلفظ به.
والذي يُعتبر عملٌ إبداعيٌ فريدٌ ومنفردٌ في صدقِهِ وشجاعتِه،
والمهم في قدرته على وصل "العام بالخاص" في ضفيرة إنسانيةٍ متكاملة،
تؤكّد أن الإنسان خصب بمقدار قدرته على أن يحسم ويسعى، ليس لذاته وحدها، بل لأناسِهِ
أيضًا، فليس أقسى من خنق الذات إلا انفصالها عن الآخرين.
نقلت بإلهامها عصارةَ وجدِها وإحساسِها واكتنازها،
وترجَمَتْها صورًا تعظّم الخالق وتخلّد جمالَ كلماتِه لتنشرَ في كلِّ مكانٍ،
الوحيَ مرسومًا، فخطفت لوحاتُها القلوبَ والأبصارَ لكونها موصولةً بفلسفةِ هذا
الجمال. وأبرزت بلوحاتِها تلكَ، عشقَ الحرفِ للرسم، وانتمائهِما معًا لفلسفة
الجمالِ والإبداع.
لستُ مَن يبالغ في وصفِ لوحةٍ ممهورةٍ بتوقيع "زهراء
مكي"، بل إني ممن أغوتهم تلك اللوحاتِ كما أغوت غيري، ممن جذبتهم إليها حتى
الاستحواذ، فاشتمَلَت عليَّ بحواسي، وانحزتُ لها انحيازًا جماليًّا وفنيًا،
باعتبارها فعلاً جماليًا ينتمي إلى الرسمِ الصافي، كما الشعر الصافي والموسيقى. إذ
يلجأ الفنان بهذا الرسم الصافي إلى رسم ما سنراه من خلالِه، وليس ما رأيناه أو رآه
هو. ويلجأ إلى إنجازِ ما يتخطَى الفائدةَ المرجوةَ منه، فيصنع الجمال ويخلقه، يخطف
العين ويجعلها بحالةِ بصيصةٍ خارقة، تمامًا كحال الناظر إلى معشوقِه، يرى ما سيراه
فيه لا فقط ما رآه. وعندما تُؤخذ العين بهذه اللذة فإنّ مفاعيلُها تسري ليس في
الجسم وحواسِه فحسب، بل هي تسري في الأنحاء كلّها، حتى ليصيرَ التعاطي تعاطيًا
وجديًا ووجوديًا، كحالِ التعاطي بين الناظرِ والمنظور، بين الهواءِ والرئتين،
والله أعلم.
وهكذا أدخلت "زهراء" في لوحاتها ما ستراهُ وما
اكتفت بما تراه، وبهكذا تقترِب لوحاتُها من الماوراء والمابعد. وهو الإضافة
الموصولة بفلسفةِ المطلَق في عمليةِ الرسمِ هذه، وهي نفسُها فلسفةُ الجمال.
وهذا التصور ليس فحسب تأويلاً شخصيًا يخضع للانفعال
بلوحاتها، بل هو عمليةُ استدعاءٍ، لمعاييرِ الجماليةِ الفنّية في فهم اللوحة.
فيكمُن سرُّ هذه اللوحاتِ أولاً في إيمانِها بالجمال، جمال
الله، جمال الوحي، جمال الواقع، والطبيعة، والناس، والذات. ويكمن في قدرتها على استخلاص
لذّةِ هذا الجمال. ما يجعلها تنتمي إلى الواقعية السحرية.
فضلاً عن براعتها في "صياغة الحرف"، وذلك عن
طريق تصميم الحروف الأبجدية بطريقةٍ هندسيةٍ، يُكتَب فيها الإسم واضحًا أو مبهمًا
ولكن بطرقٍ هندسيةٍ تصبح رمزًا خاصًا لصاحبه، ولا يعادُ التصميمُ مرتين، بحيث يصبحُ
كشعارٍ للإسم أو بالأحرى للشخص. ما يثير اهتمامَ الناظرِ لمعرفةِ ما الشكل الذي
يراه، أهوَ إسمٌ بالكامل أم مجرد حرفٍ أو رمز. كما يمكن جمع إسمين أو أكثر في شكلٍ
واحدٍ متكاملٍ. فهي فكرةُ تصميمٍ للحروفِ بطريقةٍ جديدة تعطي الكلمة او الإسم
جماليةً تحاكي عيونَ الناظرينَ إليها.
إنها ميراثُ موهبةٍ بصريةٍ ويدوية، وخبراتٍ واختبارات،
وعلومٍ ودراسات، ومقارناتٍ وتجوالاتٍ في الكلمات والحروف والمخيّلة، والذات،
والثقافة التلوينية، وقد بنَت نفسَها، يومًا بعد يومٍ، حتى وصلَت إلى ما وصلَت
إليه، من مكانةٍ تمتلك من المكوّنات البِنائية واللونية ما يجعلها قادرةً على
النطقِ بكفاءتيها التشكيلية والدلالية على حدٍّ سواء.
والموقع ليس مسؤولا عن ذلك.