"شكرا" متأخرة للكتابة النسوية
الكاتب: هاجر شويط - الجزائر
بين الأصوات العالية الخشنة
خرجت زهورٌ وانطلقت بأصواتٍ ناعمة خجولة، حاول المجتمع الذكوري يومًا ما أن يقطف
الزهور ويقنعهن أن إناءً من الماءِ في غرفةٍ مغلقة أجمل للحفاظ عليها، بينما
اقتنعت بعضهن بالفكرة وركضت خلفها، ظلت الأخريات شذى وصوتًا خرج من النعومة نحو
رفع شعار الحريات والدفاع عن الحقوق المنتهكة، وبعد أجيالٍ من الكتابات الرجالية
جاء يومٌ اكتسحت فيه الجرائد والمجلات رسائلهن، أهدافهن وشق طريقهن، وبعد جيلٍ من
المناضلات والمحاربات جاءت أجيال يصفق لهن ويشكرنهن، إنه وقتٌ متأخر ولكنه جميل
لنقول لكُنَّ شكرًا وألف وردة.
إجحافٌ في
الماضي .. إمتنان في المضارع والمستقبل
سيكون من الإجحاف أن نحاسب
في مجتمعنا امرأة تكتب بكل شراسة عن واقعٍ مغبونٍ لها، كما يقال: "إن الحاجة
أم الاختراع"، وإن كانت الكاتبة العربية لم تخترع فن الكتابة، إلا أنها
اختارت مجالاً تفرغ فيه كل ما حاول المجتمع والمحيط تكميم فمها وقبل ذلك عقلها،
فخرجت محملة بالكثير لما يجب قوله، لا يهم إن كان ذلك متأخرًا أو في الوقت، فـ
"أن تصلَ متأخرًا خير أن لا تحاول الوصول أبدًا"، من الإجحاف أيضا أن نَصِفَ
كتاباتِها دونية عن الرجل، فقط لأنها مازالت تكتب عن المواضيع والطابوهات التي
تحدُ حياتها من كل صوب، في مجتمع ذكوري يعتبر فيه الرجل السليط الدائم على كل المجالات
وحتى على المرأة نفسها، فبعد أن قام الكاتب العربي بقطع أشواطٍ في غمار الأدب، صال
وجال في أروقته وكتب أهدافًا ورسالاتٍ تحدث فيها بكل حرية وطلاقة، كانت ثمة كاتبات
يعبّدنَ الطريقَ بزفتٍ ساخن لم يخَفنَ الاحتراق به، ولم يستمِعنَ للومةِ لائمٍ، بل
كابَدْنَ صعوباتٍ وضحَّيْنَ بنواحٍ من حياتهن الشخصية، في سبيل المرأة ـ في سبيلنا
- وسبيل حرياتنا، وركضن بالمشعل طويلاً حتى لا ينطفئ، ربما يأتي هذا الرأي بعد
ظلمٍ صغير لكتاباتٍ اعتبرتها أقل من أخرى، لأنها لم تصلْ بعد إلى قامة معينة وصل
إليها الرجل في كتاباته، الرجل الذي يصقله المجتمع دومًا مهما قدم، ومهما فعل، ولا
يُنظر له بعين العيب، الحرام أو حتى العار، فالشرف سِمةٌ عن المرأة فقط.
إلى مدةٍ قريبة جدًا كنت قد
قررت أن الكتابة النِسوية العربية لم تستطع التفوق على الكتابة الرجالية الثقيلة
في الساحة الأدبية، بينما الكتابة الأدبية النِسوية عمومًا راوحت (المجتمع
الذكوري، العاطفة والجنس)، وهكذا أمسك الكاتبُ العربي بزمامِ الكتابة وهرب بعيدًا،
ومازالت النِسوةُ تكابد لِنَشرِ نصٍ كثيرًا ما يُوَقّع باسمٍ مستعار.
ما معنى
أن تقرأ رواية نسوية؟
أن تقرأي لامرأةٍ عربية،
يعني أن تُفتَحَ روحُك للقراءة بنهمٍ، تزدادُ وتيرتُك دون سابقٍ، ستبحثين عن دفتَيِّ
كتابٍ آخر تعيشين بينه فوحده من استطاع صناعة يديكِ واحتضانك حين كان الآخرون
ينعتونكِ بالمعقدة أو الخارجة عن المنطق والدين، الأسلوب الأنثوي الناعم وإن كان
ثقيلاً مركزًا فإنه هدهدة أو تربيتٌ على الكتف، مسحٌ على الجفن، غسلٌ للنكبات،
ورتقٌ للخيبات، مبطّنٌ بمقولة (لستِ مخطئة بل عارفة، يخافون ذلك فيك)، أن تشكلين
حصانةً لنفسكِ وتخلقين أعينًا وأفواهًا جديدةً ضدّك، ولكن الحصانة ستصنع لكِ حاجزًا
إسْمَنتيًا لا يزعزع معتقداتِك وأفكاركِ. أن تقرأي لامرأةٍ عربيةٍ فيعني أنكِ
ستصادفين (كوبليهات) لأغانٍ راكدة في الدرك الأسفل من ذاكرتك ولكنها تبعث جاذبيةً
في اللاوعي فتتكرر في الأذن، يعني أن تجدي التساؤلات المقلقة، التي تحاولين دفنها
بعيدًا فيك أو بالأحرى يحاولون تكفينها ودفنها، ليكمّموا حواسَكِ ورغباتِك، يكذّبون
كل إيمانٍ فيك، يعني أن تسمعين بصوتٍ آخر الاستفهامات العريضة التي تكتمينها، تحفر
فيكِ تساؤلات جديدة، تعالج ما لا يستطيع الكاتب الرجل أن يفتحه، فهو لا يهاجم
ذاته، أو يشتم امتيازًا منحه له المجتمع على طبقٍ من ذهب (ليس الكل)، وتقول ما يضع المجتمع ملاءة سوداء على فمكِ وعقلك كي لا تقولينه ولا
تدركينه، تفرغين ما كان المحيط يحشوه في رأسك من مغالطاتٍ باسم الأخلاق والشرف، وتستطيع
أن تخبركِ بأنّ: (فكركِ سليم، لستِ مختلفة ولا معقدة ولا خارجة عن المنطق)، تفتح
المواضيع التي تفكرين بها وحيدة خوف أن يقال عنكِ (مجنونة، مش متربية) .. لا يهم
كل ذلك، المهم أن ندركَ جيدًا أننا كنساءٍ، القراءة النسوية علينا فرضٌ، فما قامت
به الكاتبات من حروب، أسالت حبرًا ودمًا، التهجمات والتكالبات، إنما كانت تعبيدًا لكثيراتٍ
كثيرات لتحقيق ما وصلن إليه اليوم، الفضل الكبير لهنّ ولهنّ فقط، كل ذلك كان طريقًا
ومدخلاً سهلاً لكاتباتٍ حديثاتٍ لخوضِ غمار تجربة الكتابة دون إثارة حروبٍ
وزوبعات، بل بدعمٍ وتصعيد.
ستظل القراءة للكتابة
النسوية العربية على الأقل بالنسبة لي، كوبَ شايٍ بعد تجربة دسمة، لكن من الجرمِ
أن نتجاهل ماذا يفعل كوبَ الشاي فينا.
*نخص بالذكر كل كاتبة كتبت لرسالة سامية، وهدفٍ ذا معنى.
والموقع ليس مسؤولا عن ذلك.