رمضان
شهر الفيوضات الربانية
الكاتب: مريم شعيب
يأتي شهر رمضان حاملاً معه عطرَ الجنة، وعبقَ التاريخ، غامرًا
الأمة بآيات الفضائل، باعثًا فيها أروع أفانين البطولة والفداء، زارعاً جذور الخير
والعطاء، ناثرًا أريج الجنة في كلِّ مكان.
هو شهر الله، شهرُ الصبر والرحمة، وشهر المواساة والطاعات،
شهر الجود والكرم، شهر الفيوضات الربانية، والمنح الإلهية، شهر التقوى وجهاد النفس.
شهر اجتماع العائلة، حيث تكون فيه مائدة السحور والفطور، رمز
للاجتماع الصادق على الطاعة، قبل أن تكون رمزًا للأكل.
يتطلع المسلمون إلى هلال شهر رمضان، فرحين متسابقين لإعلان
قدومه، لما يحمله في طياته من خير وبركة وتفاؤل فضلاً عما يعيد فيهم من ذكرياتٍ،
ومعانٍ، ومناسبات خاصة بهم، وما به من مشاعر إنسانية بين الناس، إذ يساعد الغنيُّ
الفقير، عبر توزيع المساعدات الغذائية والمادية على المحتاجين.
ويتهيأ كل بلد وفق طريقته وعاداته وتقاليده الموروثة الممزوجة
بالفرح والتفاؤل. عاداتٌ رائعة تختلف بين البلاد، وتتوحد بطابع الروح تختلف مظاهر
استقبال شهر رمضان المبارك من بلدٍ إلى بلد، ومن مقاطعة إلى أخرى باختلاف الثقافات
والعادات والتقاليد. فبينما تفرح بعض الأسر بشراء مستلزمات شهر رمضان قبل شهر من
قدومه، تحتفل أسرٌ أخرى بتعليق الزينة، وشراء بعض المأكولات الخاصة به.
يتسابق الناس بمختلف عاداتهم لإحياء هذا الشهر، منهم من
ينشغل في شهر رمضان بتبادل الزيارات
والتهاني، ومنهم من ينشغل بالرامج التلفزيونية من فكاهية ودينية ودرامية، ومنهم من
يتفرغ لعبادة الرب الواحد عبر الدعاء وقراءة القرآن، والصلاة والطاعة.
وها نحن اليوم وبعد جولات رمضانية على عادات وتقاليد بعض
المجتمعات الإسلامية بأحاديثَ خاصةٍ من جنسياتٍ مختلفة لموقع "أبعاد"،
نأخذكم في رحلةٍ سياحيةٍ دينية للتعرف على عادات وتقاليد هذه المجتمعات في كيفية
استقبال شهر رمضان وإحياء طقوسه ووداعه واستقبال عيده. ونظرًا لسرد وإسهاب ضيوفنا
الأعزاء في عرض طقوس بلادهم سيتم عرض الموضوع في قسمين، آملين من القراء أن
يزوّدونا بطقوس بلادهم وعادتهم في هذا الشهر الفضيل ليتسنى لنا معرفة وعرض الأكثر.
مدفع رمضان
تتميز مصر دون غيرها من الدول الاسلامية والعربية بمدفع
رمضان. وترجع تلك العادة إلى عهد محمد علي باشا حين جلب مدافع ألمانية للجيش،
وصادف تجربة إحداها قبل آذان المغرب، فظنّ أهل مصر (المحروسة) أنّها عادة جديدة من
صاحب القلعة (محمد علي باشا) لتنبيههم بموعد الإفطار. فشكر أهالي المحروسة الباشا
على ذلك عبر وفدٍ من أعيانهم طالبين منه ذلك قبل الفجر أيضًا.
أساس المدفع ألماني الصنع (فاق عمره المئتي عام)، سُمِّيَ
مدفع (الحاجة فاطمة) تيمّنًا بزوجة الباشا.
يُطلَق 3 مرات يوميًا في رمضان: مرة قبل السحور، ثانية قبل
الإمساك وأخرى قبل الإفطار.
فلنعرض خلاصة لقاءاتنا آملين استمتاعطم بها:
الإعلامي عصام عطا/ مصر:
تختلف طقوس المصريين في رمضان عن باقي الدول في العالم. في مطلع الشهر يبدأون بتعليق الزينات في الشوارع، يحمل الأطفال الفوانيس وهي مظاهر توارثها المصريون منذ أيام الدولة الفاطمية، وتصدح الأناشيد الدينية والتواشيح التى تشعرهم بالفرحة مثل: "أهلا رمضان"، ويجوب المسحراتي ليلاً الشوارعَ لإيقاظ الناس قائلاً: "إصحى يا نايم وحّد الدايم".
وأشهرالمشروبات هي المثلجة كالتمر الهندي والعرقسوس والخشّاف
وقمرالدين، فور آذان المغرب، وعند الفطار يبدأون بشوربة لسان العصفور أوالعدس وبعض
الخضروات واللحوم. ومن أشهر الحلويات بعد الإفطار: "الكنافه والقطايف
والبسبوسه".
كما تزدحم الشوارع بمائدة الرحمن للمارّة والمساكين، وتكثر
بعد صلاة العشاء في المساجد، التراويح والندوات الدينية بمشاركة كبار العلماء
والمشايخ، حيث تضفي أجواء روحانيةً، كما في مسجد الحسين والسيدة زينب والسيدة
نفيسة وعمرو بن العاص.
منال حاجي المقصيد/ الكويت
مؤسس مشروع "اي كان" للتطوع والدمج/ سكرتيرة مراقب
العلاقات بمطار الكويت الدولي
يكتسب رمضان في الكويت مذاقًا خاصًا، يحرص من خلاله الكويتيون
على إحياء تقاليد وعادات توارثوها من الأجداد، ونكهةً خاصةً وأجواء روحانية في ظل
ترابطٍ اجتماعيٍّ متميز.
مائدة رمضان
تحتفظ موائد الكويتيين
بأطباق مختلفة، واصلت الأجيال المحافظة على معظمها حتى وقتنا الحاضر.
أهمها ما يُعتبر بمثابة أطباق رئيسية نادرًا ما تخلوا منها
موائد شهر رمضان، «الهريس» وتعد من الأكلات الكويتية المعروفة خلال هذا الشهر
وتشكل طبقًا رئيسيًا وأساسيًا فيه، تُصنع من القمح المهروس مع اللحم ويضاف إليها
عند التقديم السكر الناعم والسمن البلدي والدارسين «القرفة» المطحونة.
ولا تخلو موائد الإفطار من أكلة "التشريب" وهي خبز
الخمير أو الرقاق مقطّعًا قِطعًا صغيرة ويسكب عليه مرق اللحم المحتوي غالبًا على
القرع والبطاطس والليمون الجاف المسمّى (لومي). هي أكلةٌ سهلة الصنع، خفيفة الهضم،
لذيذةُ الطعم.
ويعتبر "الجريش" من الأكلات الرمضانية الشعبية والمفضّلة،
ويطبخ من القمح. كان الكويتيون قديمًا يقولون (صالح مالح ما يحب إلا الجريش لقمته
في العيش كبر المنصبة).
"اللقيمات"
هي من حلويات شهر رمضان وتعرف بـ (لقمة القاضي) وتُصنَع من الحليب والهال والسمن
والزعفران والعجين المختمر وتقطع لقيمات وتلقى في الدهن (الزيت) المغلي حتى
الاحمرار ثم توضع في سائل السكر أو الدبس. وتتميز بمذاقها الطيب ورائحتها الشهية.
أيام لا تُنسى: "القرقيعان"
في منتصف شهر رمضان من كل عام، يجول الأطفال على المنازل وفي أيديهم
"أكياس" يملؤونها بالحلوى والمكسرات، وهو ما يعرف بالقرقيعان... الآن
أصبح هذا التقليد سنويًّا، ولم يَعُد مقتصرًا على الأطفال بل يشارك فيه الكبار،
وتقام له الاحتفالات وتوزّع فيه أكياس "القرقيعان" على الجميع ابتهاجًا
وفرحًا بأيام وليالي شهر رمضان الجميلة.
د. خالد بنات/ برلين:
يبدأ شهر رمضان في فلسطين من مدينة القدس، حيث المسجد الأقصى
الذي أصبح الوصول إليه بالنسبة للقادمين من خارج المدينة ضربًأ من المستحيل،
فالحواجز العسكرية وانتشار جنود الاحتلال في الطرقات وإعلاق مداخل المدينة أمام
زوّارها المسلمين، كلّ ذلك جعل المدينة المثدّسة معزولةً عن العالم.
تبادل الإفطار الأسري، برنامجٌ لا يغيب عن أجندة العائلات
الفلسطينية في شهر رمضان الكريم، وتتفنّن ربّات البيوت بإعداد الأكلات وتتباهى
بأشهاها. وتكون التمور على اختلافها عروس الموائد، وتصتفّ المشروبات بألوانها
ومذاقاتها المحتلفة يتقدّمها "شراب الخرّوب"ويباع عادةً في الساحات
العامة والأسواق، لكنه في هذا الشهر يقتحم المنازل وغيره من "العرق سوس، قمر
الدين، الكركديه وغيرها.."
وتزدان أسواق غزة الشعبية بمظاهر استقبال شهر الصيام، خصوصًا
لدى باعة الحلويات من فطائر "القطائف" التي لا تخلو منها أي مائدة
فلسطينية خلاله.
ويفتقد الفلسطينيون (المسحراتي) الذي لم يعد له أثر في ليالي
رمضان بسبب حظر التجوّل في الطرقات ليلاً، كما (مدفع رمضان) الذي مُنِعَ استخدامه
من قبل المحتلين كي لا يرعبهم.
يتميّز الشهر الفضيل بالصلاة الجماعية في غالبية الفروض مع
تكثيفها ليلاً وتطول صلاة التراويح لما في المساجد الفلسطينية من روحانية خاصة،
فضلاً عن شعور الناس بتحدي الاحتلال خاصة
عند اجتماع الآلاف من المصلّين في باحات الأقصى المبارك لإبراز عنفوان أهل الأرض.
فرّج الله تعالى أسر القدس القدس الشريف وأهل الرباط الشرفاء،
وكلّ عام وكل الأمة بخير وسلام وحرية حقيقية.
وليد ابراهيم/ تركيا:
شهر رمضان، شهر الصيام من الفجر حتى الغسق، ومنذ التقويم
الإسلامي أي القمري، فإن تحديد بدايته يتوقف على الطقس ورؤية القمر الجديد.
في استقباله تقوم البلديات في المناطق بتحضير الميادين لإحياء
مراسم هذا الشهر إذ تقوم كل بلدية بتجهيز مسرحٍ للفِرَق الموسيقية والمنشدين الذين
يقومون بأداء الأناشيد الرمضانية الروحانية أو مقرئي القرآن، يكون أمامه ما يزيد
عن ألف كرسي للجمهور من المنطقة، ويدعون كل يومٍ أحد المتموّلين أو الشخصيات
المعروفة للحضور والتبرّع للفقراء، حيث يغلب على الميدان الطابع التراثي القديم،
ويتم إنشاء سوق محلي مؤقت داخل حرم الميدان من كل أصناف البضائع والمأكولات. كما
تقام موائد الإفطار المجانية، وتُحَدّد دوريًا يوم للفقراء، يوم للأيتام، يوم
لعوائل الشهداء وآخر للأرامل. كما تكثر إجتماعيًا الإفطارات العائلية.
تنبعث في الشوارع رائحة الخبز الطيبه، كم تنتشر الفواكه
الموسمية، بما في ذلك التمور وغيرها من الأطعمة ذات الأهمية الثقافية للمسلمين.
على الرغم من أن بعض المطاعم قد تكون مغلقة منتصف اليوم، إلاّ أنها تفتح قبيل
الغروب أو بعد غروب الشمس. فيلجأ الجميع إلى منازلهم في هذا الشهر عند الغروب
للاجتماع مع عائلاتهم، والمشاركة في وجبة المساء الجماعية المعروفة بالإفطار. وبعد
كسر صيامهم يتمتعون بالترفيه عن أنفسهم بحضور المسرحيات وسماع الموسيقى والتواشيح
الدينية وتكثيف العبادة. ويُغلق المخبز المحلي نهارًا، فيضطر صناع الخبز الذين
يعملون عادة في الساعات الأولى من صباح اليوم، للانتظار لوقتٍ متأخرٍ بعد الظهر.
فيصتفّ الناس وخصوصًا الأطفال قبل غروب الشمس، أمام المخابز لشراء أنواع مختلفة من
العجائن المستديرة المحلاة (بيدِي -pide’)،
فلا شيء يرمز لرمضان عندنا أكثر منها.
وهناك أطباق رئيسية مكوّنة من العجائن الغارقة بالمرق من اللحم،
أو المرق المحتك مع البصل والجزر والخضروات الموسمية أو اللبن.
وتتميز الموائد بالأطعمة التي يندر وجودها في هذا الشهر، وإن
وجدت يكون ثمنها باهظًا، لأنها موسمية لذا يتم تخضيرها وتموينها مسبقًا بكميات
كبيرة والمعروفة باسم (ramazanlink)، وتزدراد أهميتها حينما يقع شهر رمضان
في فصل الشتاء. وتشمل (البسطرمة، السجق القاورما، المربى، الهريسة، جلود الفاكهة،
كومبوت مثل الكرز الحامض، المشمش، الخوخ الخ...، البرغل، المعكرونة، الأرز،
الطماطم والفلفل وغيرها).
أينما كنت في تركيا، خلال هذا الشهر الكريم وفي أول ليلة منه،
مارًا بالقرب من المسجد، ستشهد تدافع المصلّين للصلاة ليلاً، إذ تبرز لافتة مضاءة
معلقة بين اثنين من مآذن المسجد الذي يرحب برمضان. تزيّن مع الأضواء الساطعة.
أما عيد الفطر أو عيد رمضان فهو الوقت المناسب لزيارة الأقارب
وخاصةً كبار السن. فالغالبية يستيقظون في وقت مبكر أول أيام العيد. يرتدون أفضل ما
لديهم من ملابس وهي المسماة (bayramlik)، والتي غالبا ما تُشتري خصّيصًا لهذه
المناسبة، ويتوجّهون لتناول وجبة فطور كبيرة، ما يرمز إلى نهاية فترة الصوم.
ليتوجّهوا بعدها لويزيارة الأقارب وتقبيل أيادي كبار السن منهم كمظهر من مظاهر
احترامهم ومحبتهم.
الصحفي منصور الأنسي/ اليمن:
يعتبر شهر رمضان في اليمن وسائر البلدان الإسلامية، الأكثر
تميزًا وروحانية من بين شهور السنة. فيه تتنوع الموائد بالأكلات المختلفة التي لا
تكاد تجتمع في مائدة واحدة إلا خلاله مثل السلطة، وال"شفوت" المكوّنة من
خبز الذرة أو الرومي المخلوط بالحليب وتُزيّن بحبات الرمّان أو العنب حسب المواسم.
أيضًا "العصيد والهريش" المصنوعة من الحبوب، ويُصب
عليهما العسل والسمن البلدي وتتميز موائد
الإفطار الرمضانية، باجتماع أفراد الأسرة في وقت واحد.
وللحلويات والمشروبات في رمضان زخمٌ خاص، كالقديد والزبيب بأنواعه، حيث تكثر محلات الحلويات التي تفتح خصّيصًا في هذا الشهر، وتشتهر بها بعض الأسر في صنعاء كأسرة (الشعباني، والكيدمة، والهندي) ويتفنّنونَ بصناعة أصناف "الرواني والقطائف والشعوبيات والبسبوسة" وغيرها.
وفيما يخص العادات فتختلف باختلاف التضاريس، ففي صنعاء
والعديد من المدن اليمنية تكون الطقوس والأجواء أكثر روحانية يكون للمسجد حضوره.
يجتمع المواطنون لتدارس القرآن وتلاوته ويحرص رجال المال والأعمال والميسورون على
توزيع الصدقات وفعل الخير، كما أن المسحراتي لازال حاضرًا في العديد من المدن
والأحياء رغم اختلاف طريقة إيقاظ الناس، بنداءاتٍ بصوته أو بقرع الطبول في الأزقة
والشوارع.
ولأطفال اليمن عاداتهم وخاصة في المدن التاريخية كصنعاء حيث
يجتمع عدد من الأطفال مساءً حاملين الفوانيس، مرتدين الأزياء التراثية يطوفون
بالحارات ويطرقون أبواب الأسر الميسورة مردّدين أهزوجة المساء: "يا مساء
وأسعد الله المساء.... يامساء جيت أمسّي عندكم" فيوزّع أرباب هذه الأسر
الحلويات أو النقود عليهم، ومن يرفض إعطاءَهم له أهزوجة أخرى يردّدُها الأطفال تصف
أرباب الأسرة بالبخل.
شذا شبلي/ سوريا - حلب:
رمضان في حلب:
تبدأ أيام وليالي رمضان في النفوس الحلبية المفعمة بالحيوية
والرحمة لاستقبال هذا الشهر المبارك بعاداتٍ وتقاليد يفوق عمرها مئات السنين. تزدحم الأسواق وتملئ الشوارع والأحياء
بالبائعين الذين يحملون البركة للناس... تصدح أصواتهم بأسماء ما يبيعون من منتوجات
(كالعرق سوس) و(التمر هندي)، فهي مشروبات رمضانية لاغنى عنها في كل بيت حلبي. كما
بسطات (المعروك) برائحته الشهية التي تملأ كل مكان.
مع بداية الشهر تبدأ ربّات البيوت الحلبية بتحضير أطيب وأشهى
المأكولات المعروفة بحلب (الكبب،المحاشي، اليبرق، السمبوسك، الشيش برك وغير ذلك)، ومن
حلوى رمضان المشهورة في حلب (غزل البنات) المليئة بالفستق الحلبي (واللقم والقمر
دين والقطايف).
حلب هي ضحكة الفقير بأطيب الصدقات والإفطارات والرحمة للكبير
والصغير... حلب صلة الأرحام وعزائم الأهل على موائد الرحمن، وتبادل الزيارات
الليلية بما المسمّاة (رمضانية)، وأكثر ما يسعدنا صوت المسحّر وهو يقرع طبله
لإيقاظ أهالي الأحياء للسحور. تتناغم سماء حلب بأصوات التسابيح وصلوات التراويح
التي تنبعث من المساجد بعد كل عشاء.
أجواء رمضان في حلب تضفي علينا نفحات تسكنها مشاعر الطيبة
والكرم والأصالة العربية بكل عاداتها. حلب مدينة الحب والعطاء لك مني السلام وكل
ما فيك ينبض بقلب كل إنسان مهما حدث...
ومع اقتراب العيد أهنيء أهالي حلب المبتسمين الصامدين رغم
الألم والجراح، مستبشرين بعطايا الرحمن الكريم بقلوب صامدة قوية. "رمضان كريم
وفطر سعيد ومبارك، مع الأمل بحياة آمنة وهانئة بإذن الله".
آيلين غوروسبي/ الفلبّين:
للمسلمين في الفلبّين عادات وتقاليد خاصة بهم، تبرز بتزيين
المساجد وإنارتها والإقبال على الصلاة فيها، وخاصةً صلاة التراويح. ويمتاز المجتمع
الإسلامي الفلبيني في شهر رمضان بتقديم الخدمات الاجتماعية للمحتاجين، من توزيع
الصدقات والمساعدات المادية والتموينية وخاصة في ليلة النصف من هذا الشهر، كما
توزّع في آخره زكاة الفطر على المستحقّين لها، ومن أهم عاداتهم إقامة الأغنياء
موائدَ رمضانية في منازلهم أو في الخارج يدعون عليها الفقراء لتناول وجبات الإفطار
ويتشاركون الجلوس معًا.
تزدان الموائد الفلبينية بالأطباق الخاصة أهمها: "الكاري
كاري" وهو عبارة عن اللحم المطبوخ بالبهارات وأهمها الكاري، والأرز ويُسمَّى
هناك (بغاس) أو (كورنيغ)، والسمك وأهمها طبق (فينساووان) وهو سمك مطبوخ بالشربة،
والسمك المقلي يسمى (فنيزتو).
ولا تكتمل موائدهم دون مشروب السكر والموز وجوز الهند، وكذلك
مشروب قمر الدين. لتكتمل سفرتهم، لا بدّ من وجود حلوى (القطائف) و (دُودُل) و (تياتاغ)
و (تامركوتسي).
أما السحور فله أطعمته الخفيفة على المعدة وأهمها: (الجاه)،
(الباولو)، (الكوستارد، وهو خليط الدقيق والكريم والسكر والبيض).
يكثر الفيلبينيون من التضرع
إلى الله في صلوات التراويح، حيث يصطحبون أطفالهم لأدائها في المساجد،
ويذهب لها الأطفال بأبهى حلّةٍ، فرحين، حاملين فوانيسهم، لينتقلوا بعدها للتنقل في
الشوارع وزيارة الأقارب، ثم يقومون مبتهجين بإيقاظ الناس من نومهم أوقات السحور.
د. عبدالرحمن الخالدي/ السودان - الخرطوم:
رمضان في السودان ظواهر ومظاهر استثنائية حافلة بالمميز في السودان وفي شهر رمضان
يبدو الشهر استثنائيًا ملِئ
بالظواهر التي لا تتكرر إلا سنويًا وفي الشهر الكريم، منها ظواهر اجتماعية وأسرية،
يحتفي الجميع صغارًا وكبارًا، رجالاً ونساءً كغيرهم من الشعوب الإسلامية والعربية
بهذا الشهر. واللافت في السودان هو الترابط الاجتماعي الموغل في العمق ومساحات
التسامح الكبيرة والممتدة امتداد النيل السوداني، فيصبح المجتمع منتدى للتواصل
وصلة الأرحام، وروحُ المحبَّةِ تسود الجميع.
من مظاهر حلول شهر رمضان خلال شهري رجب وشعبان، هو ازدحام
الشوارع والأسواق بالناس والعروض الجميلة للبضائع والمحصولات الزراعية والغابية من
خضر، فاكهة، كركديه ومصفوفات محصول البطيخ الذي ينتج طوال العام في أرياف السودان
وسهول النيل الأزرق، وعروض اللحوم من الضاني الصحراوي إلى العجالي اللبِن، طيور
السمان وفراخ الدجاج الزغب وجديان الماعز النوبي الشهية.
فضلاً عن صيانة وترميم المساجد من دهنها وتزيينها بأنوار
الزينة وإعداد جدولة النشاط في تلك المساجد حيث تصدح بأجمل أصوات القرّاء الحفظة
على قراءة الإمام الدوري كغالب أهل المغرب العربي والسودان وجنوب مصر من المالكية.
في صلوات التراويح تمتلئ المساجد فبعض
مساجد العاصمة يؤمّها آلاف المصلّين، رجالاً، نساءً، كبارًا، صغارًا، ويلي صلاة
الظهر يوميًا درس أو محاضرة قصيرة في الفقه والصوم والتغيير وحلقات التلاوة الجماعية
وقيام الليل والتهجّد الجماعي والتناول المشترك لوجبة السحور الجماعي.
من ظواهر رمضان في السودان ما يعرف بالضرا أو "الضراء" وهو مجلس رمضاني عند الإفطار يُقام في مكان مميّز وقريب، تلتقي فيه جميع الأسر، فتقوم كل أسرة بتجهيز طعام وشراب الإفطار وتحمله إلى "الضراء" ليتشارك الجميع تناول إفطارات بعضهم البعض ويُحِلّوا صيامهم بحبات البلح النيلي المنقوع لساعات بالماء البارد ثم يؤدوا صلاة جماعية للمغرب ويعودوا لمواصلة تناول الإفطار الذي يتوسطه طبق عصيدة الذرة مع حساء النعيمية الشهي والذي يدخل في إعداده دقيق الذرة والبامية المجففة والمطحونة، والزبادي وزبدة الفول السوداني والبصل المغلي والمحمص وأصناف أخرى.
ويبقى ملك مائدة رمضان بلا منازع في السودان هو مشروب (الحلو
مرّ) اللذيذ وهو الظاهرة الأبرز في السودان. هو مشروبٌ معقدُ في طريقة تصنيعه،
فإعداده يمر بطقوس عجائبية يبدأ التحضير لها قبل حلول الشهر المبارك بشهور، ويحتاج
لكميّاتٍ كبيرةٍ من السكر للحصول على طعمه المطلوب، وهو تحديدًا خليطٌ من الذرة
المخمّرة والبهارات وبعض الأعشاب، من عيش "ذرة نابتة"، أي الزريعة،
(يطحن النصف الثاني)، وغرنجال، وعود عرق أحمر، وكمون حلبة، وعرديب، وكركدي، وتضاف
له أعشاب أخرى حسب المكان الذي يصنع فيه وطبيعة صحة الناس الذين يقدّم لهم، فأصحاب
بعض الأمراض مثل "إلتهاب المصران" تضاف لهم أعشاب معينة وتسحب أخرى.
ويحتاج إعداد المشروب المميز لعدة أيام، حيث تحضير النسوة
لإعداده قبل شهر أو شهرين من حلول رمضان وتوضع الذرة على الخيش وترش بالماء لعدة
أيام حتى تنبت ويخرج منها الزرع وتسمى هذه العملية محلياً بـ "الزريعة"،
وتشرف على هذه المرحلة نساء خبيرات وماهرات. ويُقص الزرع بعد ذلك ويُرمَى، بينما
تؤخذ الذرة النابتة وتجفّف وتطحن وتطبخ في النار لتصبح "مديدة" فتوضع
معها البهارات وبعد ذلك تشكل على شكل لفافات في صاج على نار قوية وتسمى هذه
المرحلة بـ "العواسة".
مرحلة "العواسة" أو تجهيز اللفافات تعتبر كرنفالاً
نسائيًا له طقوس وعادات ووجبات محددة، فيه تتجمع النساء ليتشاركن في عملية إعداده
"كل يوم لدى أسرة"، (إنتشرت حاليًا ظاهرة تأجير نسوة للعواسة). وفي هذه
الحالة تتجمع النساء أيضًا ويتبادلن الحكايات والأقاصيص والأخبار، وهي مناسبة
تتكرر ـ للأسرة ـ مرة واحدة في كل عام لذلك تحرص جميع النساء على حضورها.
ويتم وضع لفافات "الآبري" في الماء منذ منتصف
النهار لتتشبع المياه بمكوناته ويُصفّى قبيلَ الإفطار ويضاف إلى المائدة الرمضانية
ولا يكاد يخلو أي بيت سوداني من هذا المشروب في الشهر الكريم.
هنالك نوع آخر من "الآبري" يسمى "الآبري
الأبيض" ويختلف عن "الحلو مرّ" في مكوّناته وطريقة إعداده ومذاقه،
(بدأ هذا النوع في الإنقراض لأسباب كثيرة، لكن بعض الأسر السودانية ما زالت حريصة
على وجود النوعين على مائدة إفطار رمضان).
نستطيع مما سبق أن نصف الشهر الكريم بأنه شهر الظواهر
والمظاهر في السودان.
والموقع ليس مسؤولا عن ذلك.