الشهيد سمير القنطار: رغم
السنين الطويلة داخل المعتقل،
لا
أزال مرفوع الرأس، صامداً بشرف ورجولة أعتز بهما كثيراً.
الكاتب:
مريم شعيب
لن
تغيب الشمس يومًا
لن
تغيب
بل
ستشرق من جبينٍ
عاش
أسرًا عاش ظلمًا
من
جبين ما تهاوى
فيه
صيحات الكرامة
صامدون...
قيادي
عسكري في حزب الله اللبناني، قضى 29 عامًا بالسجون الإسرائيلية قبل أن يفرج عنه
ضمن صفقة تبادل عام 2008. قتل يوم 19 ديسمبر/كانون الأول 2015، في قصف أصاب مبنى
كان يوجد فيه ببلدة جرمانا جنوب دمشق، واتهم حزب الله إسرائيل بقتله بغارة جوية،
بينما قالت السلطات السورية إن القنطار قتل بقصف صاروخي "إرهابي" من دون
اتهام تل أبيب.
المولد،
النشأة والتحصيل العلمي:
ولد
سمير القنطار عام 1962 في عائلة درزية ببلدة عْبَيه، وهي إحدى قرى قضاء عاليه
بمحافظة جبل لبنان. نذر حياته للنضال ضدّ الكيان الاسرائيلي وقضى ثلاثة عقودٍ من
عمره في سجون الاحتلال. إلاّ أنه خلال سنوات سجنه بإسرائيل، انتسب القنطار في
العام 1992، كطالب بالجامعة المفتوحة بتل أبيب والتي تستخدم طريقة التعليم عن بعد.
نال الإجازة في العلوم الاجتماعية والانسانية في حزيران 1997.
كتب
بحثين، الأول: "المفاجآت العسكرية في الحرب العالمية الثانية"، والثاني:
"تناقض الأمن والديموقراطية في إسرائيل". في تموز 1998، طلب متابعة
دراسته العليا في جامعة خاصة موجودة في إسرائيل. لكن إدارة السجن رفضت، معتبرة أنه
لا يمكنه الدراسة إلا في جامعة عبرية كي تراقب مضمون المواد.
التجربة
القتالية:
التحق
مبكرًا بصفوف جبهة التحرير الفلسطينية، واعتقل لأول مرة بتاريخ 31 يناير/كانون
الثاني 1978 على يد جهاز المخابرات الأردنية عندما حاول تجاوز الحدود الأردنية
الأسرائيلية في مرج بيسان مع عضوين آخرين بجبهة التحرير الفلسطينية. وعلى أثر ذلك
قضى القنطار بضعة أشهر في السجن، ثم أطلق يوم 25 ديسمبر/كانون الأول 1978.
ووفقا
لوثيقة أعدّتها عائلة القنطار، "شارك سمير في التصدّي والقتال ضدّ قوات
الاحتلال في الطيبة إبّان الاجتياح الإسرائيلي الأول للبنان العام 1978". حيث
قال شقيقه بسام أنه "فيما كانت الحرب الأهلية تنهش الوطن، والاقتتال الداخلي
يتنقل بين مساحاته، اختار سمير مقاومة الخطر الأول وهو العدو الإسرائيلي، فلم
يشارك يومًا في الحرب الداخلية، بل وجّه بندقيته نحو إسرائيل.
في
22 نيسان من العام 1979 نفذ القنطار "عملية القائد جمال عبد الناصر" مع
ثلاثة من رفاقه هم عبد المجيد أصلان، مهنا المؤيد، وأحمد الأبرص. كان سمير قائد
العملية برتبة ملازم في "جبهة التحرير الفلسطينية". واخترقت المجموعة
رادارات العدو وترسانة أسلحته منطلقة من شاطئ صور، بزورق مطاطي صغير من نوع
"زودياك" معدّل ليكون سريعاً جداً. وكان هدف العملية الوصول الى مستوطنة
"نهاريا" وخطف رهائن من الجيش الإسرائيلي لمبادلتهم بمقاومين معتقلين في
السجون الإسرائيلية. "هذه العملية الشهيرة" جعلت القنطار أسيرا مع
"حكم خيالي" 542 عامًا.
واللافت
في "عملية نهاريا"، وفقاً لـ"جبهة التحرير"، أن
"المجموعة استطاعت اختراق حواجز الأسطول السادس وأخفت الزورق عن الرادار وحرس
الشاطئ. الثانية فجراً، بدأت العملية، واستمرت حتى ساعات الصباح. ووصلت المجموعة
إلى شاطئ نهاريا، حيث أكبر حامية عسكرية، إضافة إلى الكلية الحربية ومقر الشرطة
وشبكة الإنذار البحري ومقر الزوارق العسكرية الإسرائيلية (شيربورغ). ثم اقتحمت إحدى
البنايات العالية التي تحمل الرقم 61 في شارع جابوتنسكي، وانقسمت قسمين. اشتبكت
بداية مع دورية للشرطة، محاولة دخول منزل يملكه أمنون سيلاع يقع على الشاطئ
مباشرة. وبعد ذلك، اشتبك أفرادها مع دورية شرطة إسرائيلية، فقتل الرقيب إلياهو
شاهار من مستوطنة معلوت. استطاعت أيضا أسر عالم الذرة الإسرائيلي داني هاران
واقتادته إلى الشاطئ. أما المعركة الرئيسية، فوقعت عند الشاطئ، إثر محاولة القنطار
الإقتراب من الزورق، فأصيب بخمس رصاصات في أنحاء جسده. إستقدمت قوة العدو وحدات
كبيرة من الجيش، ودارت إشتباكات عنيفة، إثر احتماء سمير وراء الصخور. ونجح في
إطلاق النار على قائد قطاع الساحل والجبهة الداخلية الشمالية في الجيش الإسرائيلي
الجنرال يوسف تساحور الذي جرح بثلاث رصاصات في صدره. وطمست إسرائيل خبر إصابته
بجروح بالغة. لكن، بعد عشرة أعوام، صرّح الجنرال تساحور إلى الصحف الإسرائيلية:
"لن أنسى طيلة حياتي وجه الفدائي الذي أصابني بثلاث رصاصات في صدري. إنه من
دون شك سمير القنطار". الحصيلة النهائية للعملية رست على 6 قتلى، بينهم عالم
الذرة داني هاران، و12 جريحاً. أما افراد العملية، فقتل منهم اثنان هما أصلان
والمؤيد، واعتقل القنطار والأبرص، وأطلق الأخير العام 1985 إثر عملية تبادل.
تعذيب،
شرف ورجولة:
مشوار
القنطار مع التعذيب بدأ من اللحظة الأولى. فنقل وهو ينزف دماً إلى شاطئ نهاريا
للتحقيق معه. وفي رسالة من داخل سجنه، شرح قصة تعذيبه قائلاً: "لقد صلبت
عارياً على حائط، وبدأ جنود الاحتلال يتدربون في فن القتال على جسدي. بقيت تحت
الشمس أياما وليال، واقفاً ويداي إلى الأعلى مقيدتين بالحائط، ورأسي مغطى بكيس من
القماش الأسود انبعثت منه رائحة نتنة. بعد حفلة التعذيب هذه، كبّلوا جسدي
بالجنازير، وألصقوا بأذني مكبرات للصوت تدوّي منها صافرة في الرأس، حتى فقدت الشعور
والإحساس بالوجود. أقسى ما عانيته عندما وقعت جريحاً، وبدأت عمليات استئصال
الرصاصات من دون أن يعطوني مادة مسكنة للألم. وعندما حاولت الصراخ من الألم،
أغلقوا فمي. وكنت كلّما أحضر إلى العيادة في السجن لمراقبة الجرح، كان الطبيب يدخل
إصبعه في الجرح، بحجة أن عليه التأكد من عيار الطلقات التي اخترقت جسدي. وأثناء
التحقيق، كنت أجلس أمام المحقق مكبل اليدين والقدمين، ويطفئ المحقق سجائره في
يديّ. كذلك بقيت في زنزانة طولها نصف متر وعرضها نصف متر، وسط الظلمة، فلا أعلم
متى يطلع النهار ومتى ينتهي الليل.
لم
يبق سجن في إسرائيل إلّا وزاره: معتقل الصرفند، معتقل عسقلان، معتقل بئر السبع
المركزي، معتقل الجلمة، معتقل الرملة، معتقل جنيد، إلى أن استقر في معتقل هداريم
قرب نتانيا. وفقًا لوثيقة العائلة، "خاض سمير نضالات من داخل المعتقل للحصول
على الحد الأدنى من شروط العيش الإنسانية. وبشهادة الأسرى الذين تحرروا، وسبق لهم
أن رأوه في المعتقل، كان قوي العزيمة معنوياته عالية". ويقول في إحدى
الرسائل: "رغم السنين الطويلة داخل المعتقل، لا أزال مرفوع الرأس، صامداً
بشرف ورجولة أعتز بهما كثيراً.
أحكام
خيالية:
عمليات
تبادل عدة جرت، ولم يطلق القنطار، تارةً بسبب التعنّت الإسرائيلي، وطورًا بسبب رفض
الجهات المفاوضة إطلاقه. ففي 7 تشرين الأول 1984، خطفت "مجموعة من رفاق
سمير" سفينة "أكيلي لاورو" الايطالية، وكان على متنها رعايا
أميركيون وإسرائيليون. وطالبوا بأن يطلق مع عدد من الأسرى. ويروي سمير أنه في تلك
المرحلة كانت إسرائيل مستعدة لإطلاقه، لكن المفاوضات مع الخاطفين فشلت لظروف أمنية
وسياسية، أهمها رفض أي دولة عربية دخول السفينة المختطفة مياهها الإقليمية.
إزاء هذا التعنت، حاول
الإسرائيليون بشتى الوسائل تطبيق عقوبة الإعدام بحق القنطار. ووافقت الحكومة
الإسرائيلية بجميع أعضائها على مشروع قانون بهذا الصدد. إلا أن الإسرائيليين وجدوا
أنفسهم أمام معضلة قانونية، إذ أن القانون الإسرائيلي لا يسمح بالإعدام. فعزموا
على تخفيف الحكم إلى خمسة مؤبدات. وفي 28 كانون الثاني 1980، حكمت المحكمة
الإسرائيلية المركزية في تل ابيب على القنطار بخمسة مؤبدات، أضيف إليها 47 عاماً،
أي ما يعادل 542 عاما!
يخبر
بسام أن "سمير كان من الاشخاص الذين لا يحبّون الاستعراض. عشق المقاتل ببعده
الثوري، ولذلك اختار الكفاح المسلّح كخيار عملي وليس إيديولوجي فقط". هذا
العشق كان وقود صموده في المعتقلات الإسرائيلية. كتب يومًا: "لست نادماً إلا
على شيء واحد، هو انني منحت في 1979 شرف الدفاع عن أمتي. لكنني حرمت فرصة الدفاع
عن بيتي وأهلي وأرضي ووطني أثناء الاجتياح الإسرائيلي في 1982".
إطلاق
سراحه واستقباله:
بقي
قيد الأسر 29 عامًا، ولقّب حينها بعميد الأسرى اللبنانيين في إسرائيل، إلى أن تم
الإفراج عنه ضمن صفقة تبادل الأسرى بين حزب الله وتل أبيب برعاية ألمانية في 16
تموز 2008. في ذلك اليوم، خرجت شخصيات لبنانية رسمية وعامة إلى استقباله، في وقت
توالت الاحتفالات في عدد من المناطق، احتفاء به، ورفعت لافتات الترحيب به.
وبعد
أقل من 24 ساعة على إطلاقه، قال مسؤول أمني إسرائيلي رفيع "كل إرهابي ارتكب
عملا إرهابيا ضد إسرائيل، وخصوصًا في مستوى القنطار، قتل طفلة وشخصين آخرين، هو
هدف". وأضاف "إذا كان ثمة احتمال أن تصفّي إسرائيل حساباتها مع القنطار
فلن تتردد".
حياة
سعيدة ورغيدة:
في
13 تشرين الثاني 2008، انتشر الخبر: "الأسير المحرر سمير القنطار تحوّل إلى
المذهب الشيعي، قبل انتسابه الرسمي إلى "حزب الله". وقرّر الزواج بفتاةٍ
من الطائفة الشيعية، قيل إنّها قريبة أحد مسؤولي الحزب. وأكد القنطار لمحادثيه أن
التلويح بترشيحه للنيابة صار من الماضي، بعدما قرر "حزب الله" عدم تبنّي
ترشيحه، خصوصاً بعد المصالحة الدرزية - الدرزية. ونقل قريبون أن أحد مشايخ الطائفة
الدروز قال للقنطار: "لماذا لا تبقى على دينك وتحمل إلى طائفتك صورة المقاوم
المشرّفة؟"، فردّ عليه: "في إمكانكم كل يوم أن تنتخبوا مقاوماً إذا ما
أردتم ذلك".
في
25 تشرين الأول 2008، قلّده الرئيس السوري بشار الأسد وسام الاستحقاق في دمشق. وفي
3 آذار 2009، عقد قرانه على الإعلامية زينب برجاوي. وحضر الاحتفال في منزل والد
العروس محمد البرجاوي في محلة الجناح، الرئيس إميل لحّود ونجله النائب السابق إميل
لحود، وفد منتدب من الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله،
السفير الإيراني محمد رضا شيباني، النائب السابق محمد برجاوي، الوزير السابق وئام
وهاب، وعدد من الفاعليات. وقال الرئيس لحود: "المناسبة عزيزة جداً على قلبي.
وأعتبر سمير القنطار واحداً من أبنائي، وأتمنى للعروسين الحياة السعيدة
والرغيدة".
القنطار
في سوريا:
لا
يُعرف على وجه التحديد دور القنطار في العمليات التي يقوم بها حزب الله بسوريا
تأييدا لنظام بشار الأسد في مواجهة المعارضة، لكن معلومات غير مؤكدة ومنها تسريبات
إعلامية إسرائيلية تحدثت عن دور للقنطار في الجولان السوري المحتل، لا سيما
المنطقة التي تقيم فيها الطائفة الدرزية.
من
جانبها، أدرجت الولايات المتحدة يوم 8 سبتمبر/أيلول 2015 القنطار وثلاثة من قادة
حركة حماس على لائحتها السوداء "للإرهابيين الدوليين".
الاغتيال:
أعلن
حزب الله في بيان مقتل القنطار وقال إنها غارة صهيونية على مبنى سكني في جرمانا في
ريف دمشق. وأشارت مواقع موالية للنظام السوري إلى أن خمس قذائف صاروخية سقطت على
مبنى سكني بحي الحمصي في جرمانا، وأسفرت عن مقتل مواطنين وإصابة 12، إضافة لانهيار
كامل للمبنى السكني.
السلطات
السورية أصدرت من جانبها بيانًا أكّد مقتل القنطار، لكنه لم يتهم إسرائيل بشكل
مباشر، مكتفيا بالقول إنه كان نتيجة "قصف صاروخي إرهابي".
ولم
تعلّق تل أبيب رسميًا على الحادث، لكن شخصيات إسرائيلية باركت العملية، حيث قال
وزير البناء والإسكان يؤاف جلانت لإذاعة الجيش "من الأمور الطيبة أن أشخاصًا
مثل القنطار لن يكونوا جزءًا من عالمنا".
وعلّقت
وسائل إعلام إسرائيلية، فقالت إن أربع طائرات إسرائيلية نفذت غارات جوية استهدفت
المبنى مما أدى لمقتل القنطار بالإضافة إلى شخصية درزية في سوريا يدعى فرحان
الشعلان، وكلاهما يقوم بأدوار في جبل الشيخ وغيره من المناطق المتاخمة للحدود مع
الجولان المحتل.
نعى
بسام القنطار أخيه عميد الأسرى المحرّر سمير القنطار شهيدًا في الغارة الإسرائيلية
التي استهدفت مبنىً سكنيًاً في جرمانا في دمشق.
وقال
بسام القنطار: بعزة
وإباء ننعي استشهاد القائد المجاهد سمير القنطار ولنا فخر انضمامنا إلى قافلة
عوائل الشهداء بعد ٣٠ عامًا من الصبر في قافلة عوائل الأسرى.
والموقع ليس مسؤولا عن ذلك.