التربية
والتعليم في مرحلة الروضة
دور
الأمهات ورياض الأطفال
الكاتب:
مريم شعيب
إنه
سؤال يتردد على لسان الأمهات والآباء، وهو سؤال يلحّ علينا أن نعرف ما هو الدور
الذي لعبته الإدارات التربوية بوزارة التربية ودور رياض الأطفال، وما هو دور معلمة
رياض الأطفال في تغيير المنهج التربوي الذي ساد في ظل تلك الظروف مع طفلها الذي
تتعامل معه وتقوم بإعداده ليكون مواطناً صالحاً في المجتمع اللبناني مستقبلاً...
ما هو مفهوم تربية الأطفال
وتعليمهم في ظل الظروف الأمنية والاقتصادية التي سادت لبنان في الفترات الأخيرة؟
السنوات
الأولى من حياة كل طفل حاسمة، تترك آثارها العميقة في تكوينه على مدى العمر كله،
إذ إن نسبة كبيرة من مقوّمات شخصية الفرد المعرفية، والوجدانية، والسلوكية تتشكل
في هذه المرحلة.
والروضة
هي البيئة الصالحة التي تتيح للطفل أن ينمو إلى أقصى حد تسمح به قدراته في جميع
مجالات النمو العقلي والوجداني والحسّي الحركي.
إن
خروج الطفل من البيت إلى الروضة مرحلة انتقالية إلى بيئة أكثر اتساعاً، ولذا
تتطلّب الاهتمام بتهيئة الأجواء المناسبة ليكون الانتقال طبيعياً تلقائياً، وأيضاً
لكي نفتح للطفل باب الحياة ونمهّد له التعلم في حب، وتقبّل ورغبة.
وقد
اعتمدت الدراسات المعاصرة على نظرية "بياجييه" التي تصب كل اهتمامها في
النمو العقلي بالنظر إلى تأثيرها على التربية في مرحلة رياض الأطفال، التي تعتمد
على عمليات التفاعل بين الفرد والبيئة، فهناك التوافق الداخلي الذي يتم عندما
يكتسب الفرد خبراتٍ جديدة تندمج ضمن معارفه السابقة، وتصبح سلوكاً عاماً يمكن
تكراره، كما أنّ عملية التوافق الخارجي تتم عندما تتطلّب أحداثُ البيئة تعديلاً
وتحويراً فيما سبق تمثله وامتصاصه من المعارف والخبرات. من هذا المنطلق تأتي أهمية
الأحداث البيئية التي تطرأ على البلد في ظل الظروف الأمنية ومدى تأثيرها على سير
الفلسفة التعليمية لرياض الأطفال في لبنان.. والسؤال يفرض نفسه هنا:
ما
المفهوم السائد حالياً لتربية أطفالنا بعد مرور هذه الأحداث الأليمة؟ وهل حدث
تغيّر في المفهوم الذي كان سائداً قبلها؟
يجب
أن تكون مرحلة رياض الأطفال من أولويات وزارة التربية في لبنان لما لها من طبيعة
خاصة، وذلك بهدف توفير الرعاية الصحية، الاجتماعية، الثقافية والتربوية لأطفالنا
الذين هم دون سن التعليم الإلزامي. والعمل على زيادة عدد رياض الأطفال التابعه
للوزارة في الأحياء والمناطق السكنية المختلفة، وتزويدها بالإمكانيات المادية
والبشرية اللازمة، مع الإلتفات إلى الرياض الخاصة بالمعوّقين.
وفي
جولتنا على بعض رياض الأطفال الخاصة والتابعه لبعض المدارس لمسنا تطبيق أحدث
نظريات التربية حيث تتم بصورة متكاملة ومناسبة للطفل معرفياً، وجدانياً، نفسياً
وحركياً، وذلك من مواقف واقعية يعايشها الطفل فتثير ميوله، وتحرّك دوافعه في مسار
تربوي هادف.
إن
فلسفة رياض الأطفال في لبنان تنبثق من الأهداف العامة للتربية التي ترتكز على
طبيعة المجتمع اللبناني، والحاجات المتغيرة للأسرة اللبنانية في ضوء التغير
الاجتماعي.
ففي
بعض الروضات طبقّت هذه المفاهيم التربوية التي تؤكد احترام فردية الطفل، وتوفر
الثقة بالنفس، والمبادرة، والإبتكار، والاستقلال الذاتي، وتكوين المفاهيم.
تقول:
رشا برو شريف الموجّهة في روضة “
babies first “ إن
الفلسفة المطبقة في روضتها كما في سائر الروضات تراعي التفاوت بين مستويات النضج
والتهيؤ، وتهتم بتوفير بيئة تربوية مناسبة لتحقيق تكافؤ الفرص في النمو بين
الأطفال على اختلاف بيئاتهم الاقتصادية، وتؤمن بأهمية تنمية حواس الطفل ومداركه عن
طريق المؤثرات الحسّية والأنشطة المباشرة والممارسة الفعلية، وتنادي بتوظيف أساليب
التربية القائمة على مبدأ اللعب الحرّ، والنشاط الذاتي التلقائي جنباً إلى جنب مع
التربية المقصودة والموجهة، وتؤمن بضرورة ربط الأنشطة والخبرات التي تقدم للطفل
بواقع المجتمع وبالحياة، وبالمستقبل المأمول.
ولكن،
ما هي خصائص طفل هذه المرحلة ومطالب نموّه؟
تقول
حنان ناصرالدين المختصة في ألمانيا في مجال التربية الحضانية عند الأطفال:
إن نموّ الطفل قبل بلوغ مرحلة المدرسة الابتدائية يُعدّ من الركائز الأساسية
لفلسفة الرياض، وأهم خصائص النمو هي أن نتناول الطفل كوحدة لا تتجزّأ، ونأخذ بعين
الاعتبار أن ما يؤثر في جانب من جوانب نموّه، له آثاره البعيدة في نواحي النموّ
الأخرى، ولهذا يجب أن تحرص برامج التربية المبكرة على تحقيق النمو الشامل
والمتكامل للطفل جسمياً، حسياً، عقلياً، اجتماعياً، انفعالياً وخُلُقياً.. خصوصاً
وأن النمو العقلي لطفل ما قبل المدرسة الابتدائية يتسّم بالسرعة، التي تحدث في
السنوات الخمس الأولى من حياته، وخصائصه، وصفاته الشخصية تكون أكثر عرضة للتغيّر
في هذه المرحلة، وبالتالي يكون التعلّم أعمق وأبعد أثراً، كما أن هناك حاجات
أساسية يجب العمل على إشباعها لتحقيق النمو، ومن بينها حاجة الطفل للعب والإنطلاق
والإستكشاف.
التحصيل
التربوي:
وفي
لقاء مع الأستاذ أحمد زلزلي مدير مدرسة الليسيه باتريوت قال: إن التحصيل في مرحلة
الرياض يستهدف إكساب الطفل بعض المهارات الحركية عن طريق استخدام الحواس وبعض
الخبرات الاجتماعية، والمفاهيم البسيطة (المعرفية) والقيم السلوكية في التعامل مع
الأفراد، والقيم الدينية في عملية تنمية شاملة، جسمية، عقلية، وجدانية واجتماعية.
وفي ظل ذلك كله يتم منهج تربية الأطفال في مدارس الرياض تمهيداً للنقلة الثانية
إلى المرحلة الابتدائية، وقد ثبت أن الخبرات المكتسبة في مرحلة الرياض تمثل خبرات
أساسية لا يستغنى عنها في مرحلة النمو التالية في المدرسة الابتدائية.
الثقافة
عند الطفل:
وتشير
حنان عواضة خريجة جامعة "كارتن" في أستراليا والمختصة بأصول
التعليم التمهيدي والابتدائي للطفل إلى أن ثقافة الطفل عامل مهم، فتقول: لكي
يستفيد الطفل من الفرص التعليمية المتاحة لا بد أن تصبح الروضة أكثر ارتباطاً
بحياة الأطفال على اختلاف قيمهم الاجتماعية، وظروفهم المعيشية. ولهذا تهتم البرامج
التربوية المعاصرة بدراسة طبيعة الثقافات الفرعية التي ينتمي إليها الأطفال لما
لها من أثر على أنماط التعلّم، كما تعمل على تطويع مناهجها وأساليبها التربوية
لتوائم الحاجات والقدرات الفردية المختلفة للأطفال على اختلاف بيئاتهم الثقافية
والاجتماعية. وفي الواقع فإن تأثير التربية في الروضة يبقى محدوداً ما لم يمتد إلى
ثقافة أسرة الطفل، فالساعات القليله التي يقضيها الطفل في الروضة لا يمكن مقارنتها
مع الساعات التي يقضيها بين أفراد أسرته، ولهذا اتجهت البرامج التربوية الحديثة
إلى توسيع "دائرة التأثير التربوي" لتصل إلى البيت، واعتبرت اشتراك
أولياء الأمور في التعليم والتربية أمراً مهماً، وبهذا تسهم الروضة في تطوير
أساليب التنشئة في البيت، ما يحقق التكامل والتوافق في تنشئة الأطفال.
النشاط
الذاتي:
وحول
النشاط الذاتي للطفل تقول د. ماري يمين متخصصة بالطب النفسي عند الأطفال: من العبث
أن نجبر الطفل على القيام بعمل لا ينبع منه تلقائياً لأنه يكون ضد طبيعته، وبعيداً
عن فطرته، لذا فقد ظهر اتجاه يستهدف توظيف أساليب التربية القائمة على مبدأ اللعب
الحر، والنشاط الذاتي لمساعدة الطفل على اكتساب بعض المهارات التي لا يستطيع أن
يكتسبها من خلال اللعب الحر وحده، وهذا التدخل المقصود في عملية التعلم يتم بطريق
غير مباشر، وذلك بإعداد وتهيئة البيئة التربوية المناسبة، والتخطيط المسبق للأنشطة
والخبرات وتوفير الإمكانات والمواد، والأدوات اللازمة لتحقيق الأهداف المنشودة
للبرامج والأنشطة المحتلفة. وذلك يراعي القدرات والاستعدادات والميول الفردية
للأطفال حيث إنه لا يفرض منهجاً، أو برنامجاً موحداً بل يتيح الفرصة لكل طفل
للاستفادة من البيئة التربوية بقدر ما تسمح به قدراته.
والموقع ليس مسؤولا عن ذلك.