كبرتُ... فتبادلنا الأدوار
الكاتب: جيهان دايخ
كمٌّ هائل من المدائح كَتبت بحق الأم، لكني اليوم لن أمدحها أو أشكرها
فحسب.. بل على هذه الصفحة سأوقّع معاهدة تنازلي عن كل ابتسامة وفرحة وكلّ قطرةِ دمٍ
يضخها قلبي وكل مشاعري الدفينة، السعيدة منها والحزينة حصراَ لذبول أجفانها...
فأنا أعلم حق العلم أنها وان لم تكن أمي.. لكانت توأمي أو حتى ذاتي...
أذكرفي صغري، كيف كنت أقف وراء كرسيها في أي جلسة أستمع
إلى حديثها الجذاب مع الناس، أراقب حركات يديها، أمسك أطراف منديلها الأبيض، لأحسَّ
بالأمان... فلم أحس بالأمان سوى وراءها..
كنت أغار منها... وعليها... أغار من حب أبي وأخوتي لها... وأغار على حبي لها... فلم يكن ممكناَ أن
تمتلك قلبين. لذا كنت أفرض عليها أن تختار بين حبها لهم وحبها لي. يا لسذاجة عقلي!...
كان ذلك من شدة أنانيتي بألاّ يشاركني بها أحد... ولم أعلم حينها أن ميزان قلبها
أنصفني وإخوتي بحيث أن كل واحد منا ظنها تحبه الأكثر...
ثلاثون عامًا في كنفها ولم أرتوي من عشقها "أمي"...
لم أزل أشعر برهبةٍ حين تنظر إليّ نظرة لومٍ... كبرتُ... فتبادلنا الأدوار... ومن
شدة خوفي عليها وحرصي على راحتها.. غدت ابنتي... وغدوت أمها !!
على الرغم من صغر سني حينها، إلاّ أني كنت أحمل داخلي
حشرية كبيرة.. فكنت دائما أطرح عليها أسئلة لا جواب لها...
"من أخبرني بأنك أمي؟" أذكر ذاك السؤال
جيداَ... فمن شدة حبي لها كنت أخشى أن يكونوا قد أخطؤوا لدى ولادتي... أردت
اثباتاتٍ.. فطرحت أسئلة لأتأكد من أني أحمل كل تلك المشاعر للمرأة الصحيحة...
كانت دائما تبتسم، وتجيب على سؤالي بأطيب الطرق.. فتطبع
على وجنتي قبلة وتقول "أنت ابنة قلبي، دعكِ من تلك الأسئلة"...
لكني اليوم قد علمت وتأكدت أنها ولا غيرها أمي.. وجزمت
على قرابة الدم بيني وبينها... فمن المستحيل أن أكون قد ورثت عشقي للقلم وجرأتي في
الحياة، وحبي للخير وإبداعي في تنظيم القوافي من أحد غيرها...
أأقول أحبها؟؟؟ تلك كلمة أصغر مما أحمل في طيات قلبي
لها... حتى أنه جدير بي أن أعبِّر عن حبي لها بلغة جديدة لم يحكيها بشر... فأوصافي
لأمي مهما كثرت.. هي بكتاب جمالها.... كلمة
أهنيء أمهات الكون و لجنتك توصل التهان
كيف أماه افيك ثقل دينُك فالله المستعان
اوشم ماس حروف لعيدك بنظم و إرتجال
رحماك أماه و أثابك جنان ضرب من امثال
و دموع ثكالى مشرق و مغرب في ابتهال
فيا بواد أم آياتها تصحرت ابن لها كانيبال
نكرمها... و لها الرحمة ندعو مصابها يزال
أيا عذابات الأمهات ولي ألا نهاية لسجال
انثر عبقا لروحك الطاهرة أمي و لكل الأمهات
و بصحبة الأرض تحايا و بالفرح ثوابهن كرامات
نساءنا لا تلد ابنا يفرح بعيدها كما بالعذابات
بل شيبا تترامى مع القهر فريسة الفتات
ارجوك دع عيد أمي شهيدة و تهان للباقيات
و دون جديد سخط عد ندشن فرح الطيبات
الشاعر الفلسطيني
د.خالد بنات/ برلين
والموقع ليس مسؤولا عن ذلك.