آراء ومواقف مجهولة للشاعر الراحل موسى شعيب تُنشر لأوّل مرّة تحقيق: مريم شعيب
آراء ومواقف مجهولة
للشاعر الراحل
موسى شعيب
تُنشر لأوّل مرّة
تحقيق: مريم شعيب
الشاعر الراحل موسى شعيب
هو من ردّدَ دومًا: “أمةٌ عربيّةٌ واحدة.. ذات رسالة خالدة”، وهي عبارةٌ لطالما تساءلتُ منذ طفولتي ماذا تعني كلّما نظرت لصورته التي كانت تزيّن حائط منزلنا في بلاد الاغتراب، والتي فيها كان يلقي الشعر من على منبرٍ، تعلو رأسه يافطة كبرى تحمل تلك العبارة۔
ونحن في وقت نقترب فيه بلادًا وشعوبًا من ذروة الخطر، نتلاقى لنحتفي بذكرى رحيل رجل كان ثائرًا بالعمل والكلمة۔ إذ يتمتع القاريء والسامع، والشاهد والعابر على ذكر اسمه بمقاربة انتاجه الغزير، التي تمنحنا فرصةً استثنائية لتثقيف الذات، والتعرف إلى نموذج شاعر نفتقد حضوره في زمن التجهيل والتعمية واطلاق النار على المصابيح حتى تسود الظلمة، فتكون الفتنة بقيادة أعداء الفكرة البكر والكلمة المشعة والثقافة الحقيقية التي تأخذ الى الغد الافضل۔
فهو من كان يسكنه الحنين إلى المصطبات حيث كان يفتح أبواب المنادمة مع العجائز والتوّاقين إلى الكلام "كالرضاعة من فم الأرض"، هو الذي أبحر في عباب سفَرٍ "ملغوم بالغموض"۔
تمرّس في كتابة الصور حتى الدهشة. في داخله شاعر يفاجئك بصوَره وأسلوبه وصياغته المبتكرة، وأديب ثائر لا يتعبه العمل بل يغريه، وفيلسوف ينظر ويقيّم بدقة واحتراف. مرهف الإحساس مع من عايشوه في محيطه، مع آلام الناس وخيباتهم وانتظاراتهم. سعى دائما لاستخراج ما هو أفضل إن کان من نفسه أو ممن شاركوه المسيرة۔
الشاعر موسى شعيب امتاز بصدق نبرته الوطنية وعفوية أدائه الصادرة عن معاناته المنبعثة من ذاته لتعبِّر عن ذوات أهل بلده وتؤاسي جراح لبنان والجوار فينطق بوجدانه الوطني ليصبح شاعر الوطنية العربية لا الوطنية اللبنانية فحسب۔
وظف شعره في خدمة اعتقاده السياسي والاجتماعي فوضع المحتوى الاعتقادي في صدارة النظم التي يصوغها، وتسامى بمواقف الاستشهاد والبطولة وبمآثر الأحرار والحريّة انطلاقاً من موقف معاناته وتمرسّه السياسي۔
تميّز بإبداعه الشعري، واهتم بالصورة الشعرية فخلت قصائده من الصنعة اللفظية، بل امتازت بوفرة الإيقاع الداخلي، ولعل ذلك يرجع إلى استقراره النفسي وميله إلى الأسلوب الخطابي الذي يعتمد على تجانس الألفاظ، والموازنة بين الجمل، وحسن التقسيم، ما ساهم في نيله جائزة الشعر الأولى طوال سنوات دراسته وفي العام 1967 نالت تلك الجائزة قصيدته: “الأصابع الآثمة” ومطلعها:
ِورجعت تختاليـن في أفقـي والكون منكِ يموج بالعبق
رحل النهار وشمسه انتحرت وتخضّبت منهـــــــا يدُ الأفق
رحل النهـــار وذاك بعض دمٍ ما تحسبيـــن تورّد الشــــفق
احلاميَ البيضـاء دمّرهــــــا رعـب الظلام وثــورةُ الأرق
ِما عاد عمــري غيرُ أتربـــــةٍ مجبولـــةٍ بالدمــــع والعرَقِ
اهتمامه الدائم بطبيعة الموضوع اقتضى الوقوف عند عناصر البناء الفني للقصيدة وعلى معانيها وهيكلها معرّجين على موسيقاها وإيقاعها، وقوافيها ولغتها وألفاظها وتراكيبها وصورها الفنية، وتجلّى ذلك بقصيدته الشهيرة “غزل الكادحين” التي جسّدت الصراع الطبقي في الجنوب خصوصاً وفي لبنان عموماً، فحملت أجمل وأروع التعابير الإنسانية الصادقة والصريحة لأحلام الفقير، وقد نالت جائزة الشعر الأولى في الجامعة البنانية عام 1965۔
يتبين في صوره الشعرية التي تنبعت من الواقع المعيشي، ما يستحضره منها عالماً من القيم والتشبيهات والاستعارات والكنايات والمجاز، فضلاً عن الأساليب الإنشائية والصور البديعة بما ينسجم مع الطابع الحزبي، ولا شك في أن الإبداع التصويري قد تباين عنده، حين تفنن في التلوين والمشاهد الحركية التي تصور الحدث وأبطاله، وقد برز ذلك جليّاً في قصيدته۔
علّقوا الشمس بحبلٍ واشنقوها لنرى
يحترق الحبل أم الشمس تموت
وكما كل مواطن ثوري شريف يحمل همَّ أمته، كان يتوقع نهايته التي ستختم مشواره بالاغتيال فكتب قصيدة “قتلوني” قائلاً:۔
قتلوني
وأنا دفء الأطفال الليلي
أنا قطرات الماء
أنا أنشودة حبِّ الفقراء
قتلوني يا عار بنادقهم
يا ذل رغيفهم المجبول شقاء
حذفوا اسمي من دفاتر سادتهم
لم يدروا
ان إسمي غابة أسماء۔۔۔
في صيف 1980 زار الشهيد موسى شعيب العراق وألقى قصيدة “أسرج خيولك”. واغتيل بعدها في بيروت في 28 تموز من ذلك العام، فتوّج تاريخه الشعري بقصيدته هذه۔ واختتم مشوار حياته الذي أصبح أسطورة تُروى على شفاه الكادحين والعذارى۔
نعم فالجميع قرأ أو ربما سيقرأ قصائد موسى شعيب في ديوانه الذي صدر بعد وفاته، إلاّ أنهم لن يعرفوا بخلاف من عاصروه، آراءه ببعض الموضوعات، حيث وجدت على قصاصاتٍ ورقية في مكتبته الخاصة، وكأنه يرد على تساؤلاتٍ طرحت أو قد تطرح على كل شاعرٍ مناضلٍ أبيّ. لذا استوحينا منها أسئلةً حولتها لمقابلةٍ فريدة تمّت دون أن تتم۔
١) ماذا يقول موسى شعيب عن الشعر وكيف يتصوّر الشاعر؟
* الشاعر إنسان والشعر موقف، وهما واحد لا إثنان. إنسان في موقف. الشعر وجه الشاعر الحقيقي، وجه الإنسان الحقيقي. الوجوه اليومية الأخرى أقنعة. مهما بلغت من الانسجام والعفوية تظل زائفة. ولئن قيل عن كذب الشاعر أو صدقه، فالحق أنه كاذب حتى يقول الشعر. وربما قيل في الشاعر عن تخلٍّ أو التزام، عن رفض أو قبول، وفي ذلك كله يبقى شهادة إنسان۔
للشاعر أن ينكشف وللناس أن يروا. له أن يقدّم ذاته وللناس أن يزِنوا تلك الذات. وليست تهم فيما بعد المقاييس، وقد يقال عن تناقض الشاعر وتأرجحه بين كفر وإيمان ورفض وقبول. فالتناقض شجاعة فيه وأصالة، تمزيقٌ لمعاهدات الخجل ورفضٌ للوائح الائتلاف۔
٢) ماذا عنک اذا؟
أنا شاعرٌ آمنت بشرف الكلمة والالتزام. آمنت حتى القرارة بأمتي وحقها في الوحدة والحياة الكريمة، هذا الإيمان يهمني أن أعلنه في أي مكان ومن على أي منبر… الصوت الشريف لا تضيره أذن صمّاء، والأذن الأمينة لا يضيرها صوت ناشز. فكل من آمن بالحرية صديقي وكل من أخلص للعروبة أخي، وليست تهمّ فيما بعد الانتماءات۔
٣) ما هو تعريفك للقصيدة؟
* القصيدة وحدها موقف في سلسلة مواقف، تسهم في عملية الكشف عن الشاعر ولكنها لا تكفي لكشفه۔
والموقف وليد الحالة. والحالة الشعرية أبعد ما تكون عن الجمود لأنّ الجمود عدم، والشعر خلقٌ وحركة. وكما نعدِم الشاعر حين نسجنه في قصيدة، كذلك نُميت القصيدة حين نقطع شرايين الحياة بينها وبين شاعرها وسائر شِعره۔
ومثل الشاعر مع الجماعة كمثل القصيدة مع أخواتها، فهو عظيم بمدى ارتباطه بالآخرين وإخلاصه لهم. الشاعر صوت جيله فيه جروح ذلك الجيل وفيه أغانيه۔
وهو إذ يبدو خابطاً في الوحل، قافزاً على العشب أو مصلوباً عى قضبان السجون يظلُّ شاء أم أبى، تعبيراً عن تمخضات الجماعات، يظل عينها الكاشفة وأنفاسها الباحثة عن الهواء. وبعد.. قد أبدو مبالغاً، وقد أكون في شعري متخيّلاً أو ملتزماً وربما متناقضاً، ولكنني أؤمن بأني أكشف عن نفسي ولا أرشّ البهار۔
٤) كيف نقيس المسافة إذن بين الإحتراف والهواية في كتابة الشعر؟
* أن تكون شاعراً يعني أن تحترف الشعر فتمسي القصيدة جواز مرورك إلى الدنيا، هويتك في العالم ولا بأس أن تصبح بديلاً عن الوطن والقضية. غير ذلك تبقى مشروع شاعر، تلامس الشعر أو تعانقه للحظة، ثم يفلت منك. ذلك ما يجهد مترفو الكلمة لإقراره، لجعله ناموساً للشعر. وذاك ما يقبل عليه عديدون من طيّبي النوايا شعراء وقراء، يستمرئون فيه طعم الكسل ورخاء اللامسؤولية۔
٥) كيف تُفسّر لنا العلاقة بين الفن والسياسة؟
* أقولها بإصرار: الفن الحقيقي في أي زمن محرور يجب أن يتزاوج والسياسة. وأصر على أنّ الفنان هو من لا يوقفه شيء عن العطاء. والفن الأصيل لا يمكن أن يمارس بالهواية، الفنانون الهواة قد يقدّمون أعمالاً جميلة، قد يومضون، ولكنّهم لا يستطيعون أن يتوهّجوا باستمرار. قد تكون المرارة الناجمة عن الإحساس بالمنفى عن مطارح الفن والوجد، هي في حد ذاتها النبع الثري للفن الحقيقي المتوهّج. فنحن كجيل عربي، ألقيت على عاتقه تركة عهود التخلف وأعباء التحرّر القومي والاجتماعي، لا مناص لنا من مواجهة قدرنا هذا بما نملكه من اختيارات۔
وأنا أؤمن أن المفاهيم الفنية تجاوزت مقولات “الفن للفن” و”الفن للسياسة”، كما تجاوزت القيم النقدية في عصرنا تلك التقسيمات الساذجة للأدب وفنونه، والشعر وأغراضه. لأن نظرة الإنسان إلى نفسه تغيّرت، والذين أوجدوا تلك التقسيمات اخترعوها بأنفسهم، ولم تكن موجودة في الشعر. الشعر هو الإنسان في معاناته لوجوده۔
٦) كيف يفهم الشاعر ذلك الوجود؟ كيف يتعامل معه؟ ما الذي يستحوذ عليه من قضايا؟ إلى أية فلسفة ينتمي وعن أية حقائق يصدر؟
* ذلك كله شأن القرّاء وشأن التاريخ فيما بعد. المهم أن يستطيع الشاعر تأكيد حضوره الإنساني الراقي والمتميّز في مسيرة الكمال الأبدية۔
٧) کيف يخدم إذاً، الشاعر أو الفنان خطاً سياسياً ينتمي هو إليه؟
*يتوقف الأمر على صدق انتماء الشاعر أو الفنان ومعاناته من جهة، وعلى مدى شمولية ورقي تلك المعاناة من جهة أخرى، الشرط الأساس في هذا كله هو أن يكون الفنّان مخلصاً للفن بمقدار إخلاصه لإنتمائه السياسي، وأسمح لنفسي أن أقول أن إخلاص الفنان لهويته السياسية الحضارية لا يشكل مقياساً لإخلاصه الفني وحسب، بل هو بالضرورة ضمانة لذلك الإخلاص۔
وإنني كحزبي، أؤكد أن انتمائي السياسي يزيدني حرارة في الدفاع عن قضية الفن، وفي الالتزام ببلورة قيم شامخة للفنون العربية المعاصرة تسمح بتفجير مواهب أمتنا وتصقل نفوس شعبنا. وتعمّق فيها حسّ الجمال والحقيقة۔
جهود مبارکه
الله يرحمه ومباركه جهودك
وفعلا بيستحق النشر للناس تتعلم منه
وفعلا بيستحق النشر للناس تتعلم منه
أخي وصديقي
فكل من آمن بالحرية صديقي وكل من أخلص للعروبة أخي، وليست تهمّ فيما بعد الانتماءات..
كلمات لم يزل صداها يرن في اذني قالها لي:في بلدته( الشرقية) التي ترعرع واحبها واستشهد من اجلها ومن اجل كل كل قرية ودسكرة في الجنوب...
لم تكن تجمعنا عقيدة ولا الحزب الذي انتمى اليه ...فكره المنفتح على كل رأي آمن بالقضية ..جمعتنا البندقية التي صوبناها نحو عدونا ...حارب الاقطاع بفكره ودفع حياته ثمناً وايماناً بقضيته
لم يضيع البوصلة يوماً عن اتجاهها وكانت الوجهة فلسطين...
اذكر تماماً ما قاله يوم ترشحه للنيابة ..
(لماذا موسى شعيب؟لأنه ابن قرية لا سلطة لسكانها على ارضها)...
اذكر يوم التقيته انا ومجموعة من الشبان المهجرين من النبعة في بيته المتواضع في الشرقية واعطانا عربون محبة وايمان كل واحد كلاشنكوف ومسدس... وكان الذي كان...
موسى شعيب رمز مقاوم من بلادي...
كلمات لم يزل صداها يرن في اذني قالها لي:في بلدته( الشرقية) التي ترعرع واحبها واستشهد من اجلها ومن اجل كل كل قرية ودسكرة في الجنوب...
لم تكن تجمعنا عقيدة ولا الحزب الذي انتمى اليه ...فكره المنفتح على كل رأي آمن بالقضية ..جمعتنا البندقية التي صوبناها نحو عدونا ...حارب الاقطاع بفكره ودفع حياته ثمناً وايماناً بقضيته
لم يضيع البوصلة يوماً عن اتجاهها وكانت الوجهة فلسطين...
اذكر تماماً ما قاله يوم ترشحه للنيابة ..
(لماذا موسى شعيب؟لأنه ابن قرية لا سلطة لسكانها على ارضها)...
اذكر يوم التقيته انا ومجموعة من الشبان المهجرين من النبعة في بيته المتواضع في الشرقية واعطانا عربون محبة وايمان كل واحد كلاشنكوف ومسدس... وكان الذي كان...
موسى شعيب رمز مقاوم من بلادي...
مكتبة الصور
والموقع ليس مسؤولا عن ذلك.