ذكريات لا تنضب...
قُبلة على ندى الفجر
الكاتب: الأديب أحمد وهبي
ونحن
مشدودون برقائق حاسوب أممي، بطيّات جلود الكائنات، بأفكار صقلتها الزنازين والقهر والعذاب،
بأزمنة غبرت، بهذا الدخول المتأخر في النوم.
وجوهنا
لا نراها في مرآة كل يوم، الشبيهون بنا يقطعون الشهية لأجل أن ننحف، أن تتراقص أمعاؤنا
الخاوية بكلِّ دوران الأرض... حولها والشمس، كنّا نُمسك بالقمر، حول أقمارنا، كان
يكفينا بضعة كؤوس من روائح تتوالد بحياة عارية.
ولا
تكفينا هواجس العتمة في رابعة النهار، لا منامات اليقظة بأصوات سكارى الليل،
والوجهة التالية مجرد رصاصات لأجل السماء والأرض، حتى تمكّنت منّا كلُّ صنوفِ
وضروب الأهواء، وفي المرويات... أن الإله المُكنّى باسم حاكم المجرّات، سيظلّ ذائع
الصيت، قويَّ الإنتقام، وأن الأمم قطعان تلك المنظومة الأسطورية، أن المعترض
والصامت مقتولان.. أن الحقيقة هي هي تشير إليها مع كلِّ نفسٍ ورغبة.
أشياء،
ثمة أشياءٌ لغاية كلٍّ منّا، أشياءٌ لذاتها، أشياءٌ لعدم القدرة، وأخرى للبوح،
والأشياء الحقيقية الساطعة لا تكون كالخطايا، ومفتاح الحكايا كلمة، صورة وفكرة،
والمنازلة تلك المجردة لأجل اشيائنا، لا ننتهي منّا، لا ننتهي عنها، لا بل نحاول
النهيَ عن أشياءٍ وأشياء، ربما كي ننسى ما اكتسى الروحَ، الأفكارَ والأيام من
الأشياء.
حين
كان الوقت بلا وقت، لم نكن في الزمان، والمكان لكلِّ سابق.. كان يتحضّر للقرابين،
بعد حين أسقطنا الوقت علينا، وصار المكان بلا طهارة، نتكاسره بعمق أعماق الملل
والضجر، والغاية لطالما تبرّر الوسيلة، فانبرينا في الموت أكثر، والزمان يعمل عمل
المراقب والمحاسب، حتى صار لكلِّ موعدِ حياةٍ.. موعدُ موت، لحروبٍ لا تنتهي...
ضحاياها بما لا يُطاق، بلا وازع، والأماكن... وما خلّفتِ البشرية من آفاتٍ
اجتماعية، أطلالٌ لذكرياتٍ لا تنصب.
بعد
خيارات متعدّدةٍ غير كافية، تقرأ كأنما أفكارنا الأشباح، والصائحون لحياتهم كي
تتوقف، لنجاتهم.. لا ينجون. لسُبُلِ نهاية المطاف.. سبيلٌ واحدٌ للمجاهدين
والمتخلّفين، لا يلتقون كما في صحوهم، يعودون لمكانهم الأول، أحياناً تقع حوادث
مثيرة نتيجة ازدحامٍ متفاقم المخلوعين من الحياة، للطيبين ابتسامة.. لا تتبدّل
قلوبهم، والمحبة أثواب، أبواب للنجاة.
الآن،
تلك الصبيحة، كيف تباعدنا عن مرايانا... كيف اشتعلت، وعلقنا في كمائن الموت كي
نواجه وجوهنا، دماءً بلا سؤالٍ حتى، وكأن من يعيد علينا الوقت والمكان، نجترُّ
وأداً بلا نهاية، وحائك الملذات يقيم للعباد أوثانهم، والأوطان كأسرّةٍ فارهة...
كرغبةٍ لكلِّ جسد. أجسادٌ بلا حواسٍّ وحرّاس، والفتنة أشدّ من القتل، نقتل أفكارنا
بإمعان شهوي، بإمكان، بقتل المكين في المكان بسكين الجرأة والجبن، بالخبث والغدر،
حتى صرخت الشياطين من فجورنا، من نحورنا، من صلاتنا وصيامنا، من هيامنا في هذا
الذُّلِ أربع رياح الوجود.
كأن،
حين تعرفنا المطايا، نعرف نجيعنا وفواجعنا، تلك المتخمة بالأعراق، بالأديان،
بالألوان.. وكاسك يا وطن، وأبي يسأل بخجل عن فلسطين وبلاد العرب، والسامري لمّا
يزل يفتعل المآسي بكلِّ رضيع وجنين، ولا نتوسّل غير روايات وجنين، ولا نتوسّل غير
رواياتنا، نفكّكها، نعرّيها وهي واحدة بأسودها وأبيضها، ببحرها الأبيض والأحمر،
بقبائلها وغرائزها العميقة، بزنازينها الحمراء والسوداء، بتلك الذات الدنيوية المقدسة..
وهنا "حواصر" العرب، المطر والسهر، كلُّ هذا الموت من المحيط إلى
الخليج، من المُصلّين المنفصلي والمتصلي الضمائر، من جنّاتٍ تحت الأقدام... ضاعت.
هكذا،
وجدتني في هلاوس ما بين النوم واليقظة، وقد أحاطت بي أطياف، كنت سمعت صراخ أصحابها
في جزء من الحياة، وأن أجساد تلك اللحظات، وقد انعقدت بحمم ما قبل الحياة. ونحن
على هذه الحال بغرائز قديمة، كنت أطارد الأفكار الدخيلة، أقود الرغبات بلوحة
نزّاعةٍ للإنفجار، بخطوات تفحمّت سُبلها، وفي الحذر حتى التخدّرِ... مشاعرُ تستقيل
لأجل تلك الصرخات.
وكأن،
لقلة الإضاءة.. نترك لنور الأرواح والذاكرة حرية الذهاب بعيداً في القسوّة، وقد
جلسنا على غيماتٍ بلا مقاعد، وقد امتلكنا أجنحة وثيرة، جذاذات عرقٍ بلا ريحٍ
ويابسة، والأعداء ﻻ يشبهون غيرهم، من يومها، ونحن ما بين الموت والحياة، نعلّق
الدُّمى بكلماتٍ عذرية، بانتظار كثيف للأمطار، لتلك الفتاة منذ أعوام الحصار
والقتل، وبعض الكلمات المضيئة بعد كلِّ مجزرة، خطى تقودنا إلى جراحنا الوارفة في
الأعمار، وعلى ندى الفجر تطبع أمي قبلتها كي نكون معاً في نفس المكان.
ونحن
مشدودون برقائق حاسوب أممي، بطيّات جلود الكائنات، بأفكار صقلتها الزنازين والقهر والعذاب،
بأزمنة غبرت، بهذا الدخول المتأخر في النوم.
وجوهنا
لا نراها في مرآة كل يوم، الشبيهون بنا يقطعون الشهية لأجل أن ننحف، أن تتراقص أمعاؤنا
الخاوية بكلِّ دوران الأرض... حولها والشمس، كنّا نُمسك بالقمر، حول أقمارنا، كان
يكفينا بضعة كؤوس من روائح تتوالد بحياة عارية.
ولا
تكفينا هواجس العتمة في رابعة النهار، لا منامات اليقظة بأصوات سكارى الليل،
والوجهة التالية مجرد رصاصات لأجل السماء والأرض، حتى تمكّنت منّا كلُّ صنوفِ
وضروب الأهواء، وفي المرويات... أن الإله المُكنّى باسم حاكم المجرّات، سيظلّ ذائع
الصيت، قويَّ الإنتقام، وأن الأمم قطعان تلك المنظومة الأسطورية، أن المعترض
والصامت مقتولان.. أن الحقيقة هي هي تشير إليها مع كلِّ نفسٍ ورغبة.
أشياء،
ثمة أشياءٌ لغاية كلٍّ منّا، أشياءٌ لذاتها، أشياءٌ لعدم القدرة، وأخرى للبوح،
والأشياء الحقيقية الساطعة لا تكون كالخطايا، ومفتاح الحكايا كلمة، صورة وفكرة،
والمنازلة تلك المجردة لأجل اشيائنا، لا ننتهي منّا، لا ننتهي عنها، لا بل نحاول
النهيَ عن أشياءٍ وأشياء، ربما كي ننسى ما اكتسى الروحَ، الأفكارَ والأيام من
الأشياء.
حين
كان الوقت بلا وقت، لم نكن في الزمان، والمكان لكلِّ سابق.. كان يتحضّر للقرابين،
بعد حين أسقطنا الوقت علينا، وصار المكان بلا طهارة، نتكاسره بعمق أعماق الملل
والضجر، والغاية لطالما تبرّر الوسيلة، فانبرينا في الموت أكثر، والزمان يعمل عمل
المراقب والمحاسب، حتى صار لكلِّ موعدِ حياةٍ.. موعدُ موت، لحروبٍ لا تنتهي...
ضحاياها بما لا يُطاق، بلا وازع، والأماكن... وما خلّفتِ البشرية من آفاتٍ
اجتماعية، أطلالٌ لذكرياتٍ لا تنصب.
بعد
خيارات متعدّدةٍ غير كافية، تقرأ كأنما أفكارنا الأشباح، والصائحون لحياتهم كي
تتوقف، لنجاتهم.. لا ينجون. لسُبُلِ نهاية المطاف.. سبيلٌ واحدٌ للمجاهدين
والمتخلّفين، لا يلتقون كما في صحوهم، يعودون لمكانهم الأول، أحياناً تقع حوادث
مثيرة نتيجة ازدحامٍ متفاقم المخلوعين من الحياة، للطيبين ابتسامة.. لا تتبدّل
قلوبهم، والمحبة أثواب، أبواب للنجاة.
الآن،
تلك الصبيحة، كيف تباعدنا عن مرايانا... كيف اشتعلت، وعلقنا في كمائن الموت كي
نواجه وجوهنا، دماءً بلا سؤالٍ حتى، وكأن من يعيد علينا الوقت والمكان، نجترُّ
وأداً بلا نهاية، وحائك الملذات يقيم للعباد أوثانهم، والأوطان كأسرّةٍ فارهة...
كرغبةٍ لكلِّ جسد. أجسادٌ بلا حواسٍّ وحرّاس، والفتنة أشدّ من القتل، نقتل أفكارنا
بإمعان شهوي، بإمكان، بقتل المكين في المكان بسكين الجرأة والجبن، بالخبث والغدر،
حتى صرخت الشياطين من فجورنا، من نحورنا، من صلاتنا وصيامنا، من هيامنا في هذا
الذُّلِ أربع رياح الوجود.
كأن،
حين تعرفنا المطايا، نعرف نجيعنا وفواجعنا، تلك المتخمة بالأعراق، بالأديان،
بالألوان.. وكاسك يا وطن، وأبي يسأل بخجل عن فلسطين وبلاد العرب، والسامري لمّا
يزل يفتعل المآسي بكلِّ رضيع وجنين، ولا نتوسّل غير روايات وجنين، ولا نتوسّل غير
رواياتنا، نفكّكها، نعرّيها وهي واحدة بأسودها وأبيضها، ببحرها الأبيض والأحمر،
بقبائلها وغرائزها العميقة، بزنازينها الحمراء والسوداء، بتلك الذات الدنيوية
المقدسة.. وهنا "حواصر" العرب، المطر والسهر، كلُّ هذا الموت من المحيط
إلى الخليج، من المُصلّين المنفصلي والمتصلي الضمائر، من جنّاتٍ تحت الأقدام... ضاعت.
هكذا،
وجدتني في هلاوس ما بين النوم واليقظة، وقد أحاطت بي أطياف، كنت سمعت صراخ أصحابها
في جزء من الحياة، وأن أجساد تلك اللحظات، وقد انعقدت بحمم ما قبل الحياة. ونحن
على هذه الحال بغرائز قديمة، كنت أطارد الأفكار الدخيلة، أقود الرغبات بلوحة
نزّاعةٍ للإنفجار، بخطوات تفحمّت سُبلها، وفي الحذر حتى التخدّرِ... مشاعرُ تستقيل
لأجل تلك الصرخات.
وكأن،
لقلة الإضاءة.. نترك لنور الأرواح والذاكرة حرية الذهاب بعيداً في القسوّة، وقد
جلسنا على غيماتٍ بلا مقاعد، وقد امتلكنا أجنحة وثيرة، جذاذات عرقٍ بلا ريحٍ
ويابسة، والأعداء ﻻ يشبهون غيرهم، من يومها، ونحن ما بين الموت والحياة، نعلّق
الدُّمى بكلماتٍ عذرية، بانتظار كثيف للأمطار، لتلك الفتاة منذ أعوام الحصار
والقتل، وبعض الكلمات المضيئة بعد كلِّ مجزرة، خطى تقودنا إلى جراحنا الوارفة في
الأعمار، وعلى ندى الفجر تطبع أمي قبلتها كي نكون معاً في نفس المكان.
والموقع ليس مسؤولا عن ذلك.