تيكيلا في الساعات الحزينة...
مهازل في زمن السُبات الأممي
الكاتب: الأديب أحمد وهبي
ونحن
نقلب الصفحات، نحتجز جزءاً منّا في كلِّ صفحة، ولا كلمة أكثر من كؤوس تيكيلا في
الساعات الحزينة. فمن يتابع، ويستمع لنواب مجالس الأمة بطولها وعرضها لأصابه الذهول،
وأخذ به الخبول كلَّ مأخذ، ولأَحَسَّ بنفسه في حفل راقص للعراة.
نحن
الحفاة لقليل حياة، ﻷحياءٍ يدافعون عن عرق خبزهم، عن كرامتهم، كأنّنا في ماكينة
مولينكس الطوائف والمذاهب، لا نتنكّر لأفعال، لفعلةِ هذا وذاك لأنه رجل الطائفة
الأول، ومن مثله في النزال عند الشدائد والأهوال، كما لو أنهم حواريو السيّد
الأكبر، روّاد دمائنا ونصغر، هلّا رأينا نحن الشعب كيف ندفع جزية اﻹنوجاد، وهذا
المسكوت عنه مائي وضيائي، نوري.. والنوري أبو سن ذهب، يبسم لنا كي يقلّدَ
أفواهنا بسنِّ ذهب.. لا ينطق، بحبّة هال زرقاء الوشم وسيف، حتى قال أبو الزولف
"خود هيدى سيف" في زمن قنابل الفناء "وروح قاتل يا ضناي"،
والحاكم من مشتقات اللغة، من الحليب والماء، من الكهرباء والنفايات، لكن، من يمنع
هذه المهازل في زمن السُبات الأممي...؟
كأنما،
ليست بلادنا وأعمارنا، وقد أضحت جمارنا، ولمّا نزل ننتظر أبو عبدو كي يجيء إلينا
بالحليب الطازج على حماره صبيحة كل يوم، وإذا ما مرض الحمار، مرض معه صاحبه،
وأصابه داء العجز، والصهاينة في الأرجاء.. في صلاة الأعراب، والراهب والشيخ من هذا
الطين، كيف يعبدون، ونحن في هذا النحر صبح مساء، في صدر البيت وفي العجز، بين
أسفار التلمود وسم الخياط، وتحت النيران الباردة سلام الشياطين، ومالك الحزين يرقص
وأترابه الفلامنغا، سامبا، ألا يا عم كم زرتنا آنزمن وتلاعبت على الكلام، تيكيلا
لشعوب الشرق كي تستريح من وعد بلفور وكل تقسيم، وأنين، وهذا الأحمر المراق فوق
الثرى، لأجل الأسود تحت الثرى.
صبيحة
ذاك الرماد، حضر أصحاب الأعيان والأطيان وباقي الصحابة، ولم أزل أولد بصمت، كمن
يبحث عن صرخة مثالية، عن أمٍّ مضت لسنائها، عن أبي المسافر في الأحلام، عن جيران
حبري متى يأتون، وأشكو ظلي لكل عابر سبيل، وأدونيس في موته يضحك من حماقة عشتار،
يا لهذا الإنتظار المعصور للمؤمنين، في سائر الروايات وجهٌ واحدٌ لكلِّ فاجر،
لكلِّ خانع.
في
الخامس ابتدائي، والخامس من حزيران، صحونا على أمّةٍ من بلّور، في ذاك اليوم
تكسّرت مرايانا، أجزاؤها لا تجمع وجهاً لو تشاء، وأصحاب الخلود يقيمون الجنازات
اليومية، تيكيلا صاح الوقت خلف الباب، وشُذّاذ الآفاق بالكوفية والعقال.
أعترف،
كما لو أعترف أنّني الجزءُ الصعبِ عن كلِّ المذنبين، عن الحواريين، عمن نكح وصلّى
ورأى ورمى... يا حضرات، موافقون، نعم وباﻷغلبية، بلا قفازات وعبارات مخملية، نحن
إنما ننكح، عفواً، نحن ننطق باسم الشعب، وباسم الشعب نوزّع على كل عبد، عفواً، على
الرعية تيكيلا شرعية وحلال، صنع بلادنا بلا فخر.
نحن
الشعب نقسم بربِّ البيت.. ربِّ المهرّجين والمهرّبين والمتصهينين، بكلِّ الحروف
وسكين تقطع حركاتنا وأعضائنا، حتى صرنا شعوباً مقطّعة الأوصال والآصال، أو مثل
"جلال الحمار"، وأليسار تقيم أمةً من جلد ثور، ونحن بصراحة الكائنات لا
نكون، حتى قال أحدهم، نكون أو لا نكون، وآخر يمطّ الكلمة ناكون... ااا،
والألف الأخيرة سقطت في هوة النفس، أمة تتظاهر بالملل والكفر، بالويل وبنات
الليل، بكيف نبول، أو نضاجع.
حسنًا،
نحن يا سادة يا كرام من عصر الحريم والسلطان، فكلّ ما يُلبس ويؤكل ويُركب من
الغرب، وأنّهُ حرامٌ بحرام، إلا نساؤهم، فهن سبايا، نساؤنا اللقيطات المسبيات
بعارنا يا حيف. وأنه ليُغضبنا إذا ما نطقَ أحدُنا وأصاب، ولا نغضب لموتنا،
لاغتصابنا ليل نهار، لكم أحرُّ التعازي عما أصابكم والثواب والأجر وطول البقاء،
لأجل طول الخازوق في أمةٍ بعدد سنين الذُّل والهوان...
ألا
كبّر يا فلان، ولتقرع اﻷجراس من مكة لأورشليم، لأجل كامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو،
لراية التوحيد ترفرف وحيدة مبللة بدموع السماء، يا أخي في الكفاح والنكاح، وقد حان
سلام السفاح، عذراً، صبحاً وظهراً وعصرًا واغتراب، سلام الشجعان العالميين،
والأنخاب تقرع تيكيلا.. تجِبُّ الأحساب والأنساب، ألا يا رب قليل من الأمر، أم ذا
دأبنا وديدننا بلا نهاية.
لكنما
للشعوب الأبية قول آخر، فانظروا، وانتظروا مصيركم الأسود يا غربان الشؤم والخنوع.
ولنا، وفي هذا التوقيت الحساس أن نُنعمَ الإحساس بمواقف لبناننا الرسمي في المحافل
العربية والدولية الرافض للقرارات الأميركية المجحفة دفاعاً عن فلسطين والمقدسات،
والوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني ضد العدو الصهيوني، مستنهضا الحكومات العربية
للتوحد حول حقوق الأمة، حول القيام بواجباتهم، حيث أثبت لبنان جيشاً وشعباً
ومقاومة أنه المدماك الحصين، والصوت المجلي في الدفاع عن الحقوق بالحجة والبرهان،
بإرادة الإنتصار على العدو الصهيوني الغاصب.
والموقع ليس مسؤولا عن ذلك.