انقلاب السحر على الساحر
سقوط هيبة سيد البيت الأبيض
الكاتب: الإعلامي علي قازان – قناة العالم
سقوط
مدوّي لترامب وانتصار جديد للدبلوماسية الإيرانية على الأقل في المرحلة الراهنة في
ظل الاصطفاف الدولي الواضح الذي نسجه الاتفاق النووي وغزله تصرفات ترامب الغير محسوبة.
فلأول مرة يجد رئيس أميركي نفسه أمام عزلة دولية، يقدّم خطابًا هزيلاً، دون أدنى شك
أنه من حياكة اللوبي الصهوني ومدفوع الأجر مسبقًا من حليفته السعودية بدليل ما ورد
في الخطاب وما تلاه من ترحيب منهما...
خطاب
ترامب الفارغ من محتواه والمعيب في فحواه، برأيي لم يحدد طبيعة المرحلة المقبلة بل
أكّد على مدى ارتباكه مما حققه الاتفاق النووي من نتائج عرّت فيه النفاق الأميركي وأظهرت
الصورة الناصعة لإيران وباعتراف دولي هذه المرة والتي عمل الاستكبار العالمي على تشويهها
منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران... وأكد الخطاب أيضًا على هزيمته واستسلامه أمام
إيران الثورة التي أرعبتهم ولا زالت والتي فضحت وأفشلت وأسقطت مشاريعهم وخطوطهم الحمراء
في المنطقة ولازالت والتي صنعت الانتصارات والأمجاد ولازالت.
خطاب
ترامب فيه الكثير من المغالطات التي لن أفنّدها، ويكفي الرد الإيراني عليها، وهذه المغالطات
انقلبت رأسًا على عقبه وأصابته في المقتل وجرت الرياح بما لا تشتهيه سفنه.
ولكن
يمكننا أن نستشرف أفق المرحلة المقبلة من خلال نتائج خطاب ترامب التي ظهرت سريعًا وقبل
أن يجفّ حبره والتي صبّت في مصلحة إيران، حيث وحّد هذا الخطاب الشارع الإيراني أكثر
مما كان موحّدًا، وحظيت معه إيران بإلتفاف دولي قلّ نظيره، وعزّز من دور ومنعة ومكانة
إيران إقليميًا ودوليًا. بينما في المقابل سنشهد تراجعًا لشعبية ترامب أكثر مما هي
عليه الآن والتي وصلت في آخر استطلاعات الرأي إلى ٤٦٪ ، وشهدنا انقسامًا في الشارع
الأميركي على المستوى السياسي والإعلامي وحتى داخل حزبه، وستمرّ الولايات المتحدة بأصعب
أيامها بسبب العزلة الدولية التي ستواجهها بفعل مزاجية وغباء ترامب.
إذاً
نحن أمام مرحلة سقوط الهيبة الأميركية على المستوى الدولي وليس مرحلة جديدة وفق إغواء
وأحلام ترامب، بدليل أن المواقف الأوروبية التي صدرت عقب خطاب الرئيس الأميركي إن دلّت
إنما تدل على أن أميركا لم تعد بموقع من يملي الشروط ولم تعد تقود العالم، وهذه المواقف
الأوروبية هي أضعف الإيمان مع موقف ترامب الذي شكل ضربةُ قاسيةً لحلفائه الذين صادقوا
على الاتفاق النووي.
وما
زاد في سقوط هيبة سيد البيت الأبيض هو الرد الإيراني الذي أتى عقب الرد الأوروبي وكان
حازمًا، واضحًا وصارمًا، شكلاً ومضمونًا بأن الاتفاق النووي سيبقى كما هو ولن يسير
وفق رغبات ترامب، وأن إيران ستواصل تطوير قدراتها العسكرية وستواصل محاربة الإرهاب...
ردٌ بعثر أوراق ترامب التي حاول العبث بها فأربكت الأميركي وأراحت الإيراني، بدليل
أن الاستراتيجية الجديدة التي توعّد بها ترامب بخطابه لم تحمل أي جديد بالنسبة للإيراني،
لأن عنوان المرحلة قُرئَ من عنوان الخطاب، فالرئيس الأميركي لم يلغي الاتفاق النووي
كما أراد منذ انتخابه ولكنه رمى الكرة في ملعب الكونغرس الذي سيُبقي الاتفاق على ما
هو عليه الحال، وبالتالي موقف ترامب لن يؤثر على الاتفاق النووي، وإنما هو زوبعة في
فنجان لإرضاء الحليفين السعودي والاسرائيلي، فالأول لترامب مموّله والثاني سياجه في
المنطقة.
إذاً
الموضوع مع إيران ليس مسألة اتفاق نووي، وهذا ما لمسناه من خلال ربط ترامب للإتفاق
النووي بالصواريخ البالستية وحزب الله وحرس الثورة الإسلامية. نفهم من هذا الأمر أن
الموضوع من وراء موقف ترامب هو محاولته لَيّ ذراع إيران في المنطقة بسبب ما باتت تشكّله
من تحدٍّ رئيسيٍّ أسقطت معه مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي كان حلمًا لأميركا وحلفائها،
وأيضًا هو الثمن الذي تلقّاه سلفًا من حليفته السعودية بقيمة ٤٦٠ مليار دولار، ولكن
إيران ستلقّنه وأعوانه درسًا لن ينسوه كما لقّنت أسلافه وأعوانهم وعلى كافة المستويات.
فإيران اليوم بقيادتها ومفكّريها وعلمائها وشعبها تسلّقت بجدارة سُلّم الدول التي فرضت
نفسها على الساحة الدولية كلاعبٍ ومنافسٍ لا يستهان به ويحسب له ألف حساب.
في
المحصّلة لن يكون هناك حرب عالمية ثالثة كما تخوّف البعض من ذلك ولو على المدى المنظور
رغم غباء ترامب وقلة خبرته وتهوّره، فلا عامل الوقت ولا المكان ولا الزمان يساعدونه
للمجازفة، لكن هذا لا يعني أن هذه المرحلة ستكون خالية الوفاض من أي ألعاب صبيانية
وتصرفات مزاجية لأسباب ذكرناها والتي قد تقلب المشهد هنا وتبعثره هناك، لكنها لن تغير
من الواقع وفق حسابات وقياسات ترامب.
فالثابت
هنا أن إيران الثورة بعد الخطاب الأميركي لن تكون كما قبله، لأن الرياح الإيرانية لن
تجري كما تشتهي سفن ترامب الأميركية.
والموقع ليس مسؤولا عن ذلك.