المكتبات العامة كمرفق ثقافي
بين الماضي والحاضر
دورها في تطوير
وتكوين فكر المجتمع وثقافته
تحقيق:
مريم شعيب
كانت المكتبة العامة في مراحلها الأولى أرشيفاً يحفظ السجلات الرسمية
للدولة ومظهرا من مظاهر الرُقيّ الاجتماعي للمثقفين والأثرياء، إلاّ أنها استجابت لخدمة كل الطبقات الاجتماعية على أسس علمية سليمة، طوّرت لها
وظيفتها وتنامى دورها الاجتماعي فأصبحت في عصر التخصص وتعدد قطاعات المجتمع قوة
تماسك والتحام وترابط باعتبارها جزءً من نظام الاتصال الوطني.
فهي تقوم بدورٍ هامٍ في تطوير وتكوين فكر
المجتمع وثقافته. تعمل على نشر الوعي المعلوماتي، وتعتبر مرفقٌ من المرافق
الثقافية التي تنشأ لتخدم نطاقاً جغرافياً محدداً، فيقاس تطوّر الأمم وتحضّرها
بضيق المساحة الجغرافية التي تقوم على خدمتها تلك المكتبات.
وتعمل
على ربط المواطن بين ثقافته المعاصرة وتراثه الماضي، وتتيح للجميع الاطّلاع على
مختلف الأفكار والاتجاهات الثقافية المختلفة. فتنشيء مجتمعَ معلوماتٍ، وتقدّم الخدمات الملائمة لطبيعته،
وما لها من دور في محو أو إثبات الثقافات لدى المجتمعات.
ورغم أن كثير من المؤسسات ترصد نجاحها بالعائد
المادي النهائي، إلا أن المكتبات العامة لا يمكن على الإطلاق قياس مدى نجاحها
بمدخولاتها المالية، بل يحتسب بالأنشطة التي تمارسها، والخدمات التي
تقدمها، وتأثيرها على المجتمع المحيط، مثل عقد دورات تعليمية أو ثقافية أو
محو أمية، سواء عامة أو حاسوبية وهكذا.
لذا تطرّقنا لتجربة المكتبات العامة ببعض المناطق اللبنانية، في دعم وتنمية الثقافة الرقمية، ومحو
الأمية الحاسوبية لدى أفراد المجتمع التي تعمل على خدمتهم، موضّحين الأهداف
والمهام الخاصة بها في المنطقة، والدور الذي تقوم به هذه المكتبات لرفع مستوى خدماتها، والدور
الذي قامت به لتعليم فئات المستفيدين لديها على الحاسب الآلي وتطبيقاته، دون
تحميلهم عبءٍ ماليٍ من منطلق أنها مؤسسات خدماتية غير ربحية.
وحيث أن أي مؤسسة خدماتية تحتاج إلى
تقييم دوري لما تقدمه من خدمات توافق الأهداف الأساسية التي وضعتها،
وهل لا تزال على
النهج الذي أنشئت من أجله، أم أنها حادت عن الهدف الرئيسي، فتمحورت أسئلتنا لتلك المكتبات، حول ما إذا كانت قد تأثّرت بمعطيات
المجتمع والذي أصبح فيه الكثير من المخالطات؟ وهل فقدت المكتبة هدفها الأساسي
في كونها محراب للثقافة وبناء الفكر وأصبحت تهتم بما يساير رغبات المترددين عليها؟
من هذا المنطلق ظهرت
ضرورة تقييم وضعية المكتبات العامة في لبنان في ظل معطيات العصر وفي ظل قلب
الأوضاع الاجتماعية التي تؤثر على سلوك الأفراد في المجتمع.
أهداف المكتبات العامة
عند إنشاء أي مؤسسة يجب أن يكون لها هدفاً واضحاً ومحدداً،
تسير على هداه، وعلى غرار ذلك المكتبة العامة، التي يجب أن توضع لها أهدافٌ واضحةٌ، ومهامٌ مرتبطةٌ بها، وأنشطةٌ
محددةُ الفترة الزمنية، يقاس نجاحها بمدى الوصول لتحقيق هذه الأهداف.
حيث لابد من أن يكون هناك وعي
من القائمين عليها بهذه الأهداف، وكيفية تحقيقها، والسير على هداها، مع التقييم
الدوري لمدى درجة الرضى التي تنتج من الوصول إلى المستهدف.
تلخّص ذلك بجملة لقاءات كان منها:
المكتبة العامة عنصراً هاماً في بناء قيم وثقافات وفكر
المجتمعات، فهل هذا الاتجاه واضح في ذهن القائمين على المكتبات العامة حالياً؟
الأستاذ حسين قصير - رئيس النادي الثقافي في دير قانون النهر:
العلاقة بين الفرد
والكتاب تنشأ بالتربية والتوجيه منذ الصغر، إذ يبحث الإنسان عن المكتبة ليرتادها
ولا ينتظر فقط نشأتها في منطقته، وللارتقاء
بالمكتبات العامة لمستوى الطموح، لا بد من إدخال تكنولوجيا المعلومات بكافة أشكالها في العمليات الفنية والخدمات العامة التي تقدمها المكتبة،
من أجل تطوير كفاءة ومستوى هذه الخدمات، والخروج بها من الدائرة التقليدية
التي تعيشها.
وهذا يحتاج لجهد الدولة في هذا المجال، وعدم الاقتصار على مبادرات منظمات المجتمع
المدني، لأن هذا الجانب يحتاج إلى تخصيصات مالية كبيرة، وإلى جهود جبارة لإعادة
الحياة إلى الكتاب، الذي هو محور الحياة. واعتماد وسائل علمية لحث الشباب على القراءة كأن يتم فتح مكتبات في المدارس وتخصيص ساعة أسبوعيا
على الاقل لزيارة المكتبة المدرسية والمطالعة.
عند نشأة مكتبتكم العامة هل تم عمل خريطة زمنية بالأهداف، وهل هناك تقييم دوري يجري على فاعليات المكتبة وأنشطتها من خلال
خريطة الأهداف الموضوعة؟
المهندس سليم مراد رئيس سابق لبلدية عيترون:
نشأت فكرة المكتبة العامة في عيترون عام 2009، بهدف خدمة أبنائها ونشر المعرفة لهم وذلك عن
طريق تجهيزها بكل ما تحتاج من تجهيزات بشرية ومادية وتقنية وتطويرها كلّما دعت
الحاجة. وتم تنفيذها حيث أطلقت ببروتوكول وزارة الثقافة
وبتمويل من البلدية عام 2011، وتم تزويدها بالكتب من الوزارة وبعض الجمعيات، كما
تم التبرع ببعض الكتب من الأهالي تحت عنوان: "ساهم معنا بكتاب أوبثمنه"،
وشهدت آنذاك إقبالاً هاماً وما زال رغم تراجعه بعض الشيء بسبب توافر الإنترنت في
المنازل وعلى الهواتف النقالة. غالبية روادها من الشباب الطلبة وحديثي السن، الذين
يأتون للمطالعة والتزوّد بالمراجع والأبحاث التي تخدم دراستهم. كما يديرها أمين
عليها تم تدريبه على أرشفة الكتب وكيفية خدمة زائري المكتبة عبر دورات أقامتها
وزارة الثقافة لهذه الغاية.
تظوّرت المكتبة بتغيير مبناها وتزويدها بخدمة الإنترنت
عام 2013، ورغم ذلك لم يفقد الكتاب قيمته، إذ بقراءته تتفاعل الحواس مشتركة، أكثر
منها حال قراءة نص عبر الإنترنت، إذ يتمكن القاريء من وضع ملاحظاته وتعليقاته التي
يخفظها الكتاب، بينما يمسح النص بمجرد الانتهاء من قراءته والضغط على مفتاح المسح،
وقد يمسح بالخطأ أحياناً.
هل أن الاتجاه التغييري نحو
عالم الانترنت قد أثّر على أهداف ومبادىء المكتبة الأصلية، وقادها
لتحقيق أهداف آخرى غير منصوص عليها في خريطتها التأسيسية؟
نبيل عيّاد أمين
مكتبة: للأسف، حالياً أصبح ارتياد المكتبات رفاهية في نظر من لا
يعرف قيمتها وأصبح العالم مشغولاً بعصر السرعة والتطور ووسائل الإتصال الحديثة، وبعيداً عن القراءة والمكتبات. والأسباب عديدة
ومتنوعة بينها الإنترنت والستلايت وتوفر أدوات التسلية. لكن حتى هذا لا يفسر العزوف الشديد عن الكتاب وتحديداً بين شريحة الشباب. وللأسف
نلاحظ الانحسار والإهمال للمكتبات، إذ لو نتابع تجارب دول العالم واهتمامها
بالثقافة لوجدنا أنها تعد المطالعة والقراءة، من أهم سبل الثقافة والتعلّم. لذا يجب تعويد الجيل الجديد والشباب
والناشئة على ارتياد المكتبات وقراءة الكتب، فالأمّة التي لاتعتمد البحث ومواكبة
التطور العلمي تعيش متخلفة، والكتاب خير وسيلة للبحث والمعرفة.
ويضيف أحمد / 16 عاماً: أزور المكتبة باستمرار فأنا أحب مطالعة الكتب
الدينية والعلمية والقصص وأستمتع بقراءتها، وأهلي يشجعوني على
ذلك حتى لا أقضي أغلب وقتي جالساً إلى شاشة الحاسوب أو اللعب
بألعاب الإنترنت الإلكترونية لما لها من أضرار، وعلى الرغم من توافر كتبٍ في شبكة
الانترنت إلا أنه لايمكن الاسترسال بقراءتها على شاشة الحاسبة ناهيك عن انقطاع
التيار الكهربائي .
ويكمل جواد/
20 عامًا: أرتاد المكتبة بصورة مستمرة وأقضي وقتي بين أحضان الكتب
بهدف الاستفادة مما فيها من معلومات ومعارف، كما يجب العناية بجميع المكتبات، من
توضيح بالخدمات التي تقدمها، والكتب الموجودة فيها، والعاملين فيها،
وكيفية تعاملهم مع الذين يرتادونها، وفتح شبكة نت، وباب الاستعارة للكتب، ما يؤثر
على زيارتها .
وعن منافسة التقنيات الحديثة للكتاب قال أ. علي
ابراهيم (مدرّس): على الرغم من إيجابيات الإنترنت في زيادة ثقافة الفرد وهذه تعود إلى طبيعة الشخص وما يبحث
عنه، إلا أنه ترك أثراً سلبياً فأصبح الشباب يقضون أغلب
أوقاتهم في المحادثات ومشاهدة الصور وابتعدوا عن قراءة الكتب وهذا له
أثره في هدر الوقت وطاقات الشباب فأصبحت ثقافتهم محدودة وأوقاتهم مستغَلّة بشكلٍ
خاطىء، لذلك على الأهل توجيه أبنائهم بشكل صحيح وتشجيعهم على قراءة الكتب العامة التي
تزيد من ثقافتهم وليس الكتب الدراسية فقط ما يبني جيلاً واعياً ومثقفاً.
وفي نهاية تقييمنا نضع بين أيديكم من واقع زياراتنا لتلك المكتبات،
عدداً من المقترحات للمساهمة في تنمية عادة القراءة:
1. التواصل مع الجمهور من
الجهات والأفراد للترويج للمكتبة والإستفادة من مقتنياتها وبرامجها، والاطلاع على
خدماتها وجديدها، مستخدمين في ذلك الوسائل التقنية الحديثة كالبريد الإلكتروني
والرسائل القصيرة.
2. توفير المصادر الورقية
المتجددة دوماً، خاصة الصحف اليومية،
والمجلات المتخصصة.
3. توفير مكتبة خاصة بالوسائط
الإلكترونية المتعددة من أسطوانات، وسائل سمعية وبصرية، خدمات الإنترنت كداعم
ومتكامل مع الكتاب المطبوع، وتأسيس موقع إلكتروني للمكتبة العامة، تعرض فيه مصادرها، وأخبارها،
وأنشطتها، وفعالياتها، لتسهيل عملية التواصل بينها وبين الجمهور المستهدف.
4. تنظيم واستقبال الرحلات
المدرسية المنتظمة
للمكتبات العامة لتعزيز التفاعل المثمر بينها وبين طلاب المدارس.
5. تشجيع الميسورين من أبناء
المجتمع على المساهمة في تنمية مصادر
المكتبة الورقية والتقنية، مع الاحتفاء بهم والتنويه بجهودهم.
6. تخصيص جوائز
لرواد المكتبة
المتميزين «القرّاء منهم والباحثين».. مع إبراز أسماء الفائزين في مدخلها.
7. حث الباحثين والمؤلفين على كتابة أبحاث
تخدم أهداف المكتبة العامة، وتبني نشرها، ومنحهم مكافآت معنوية ومادية.
8. التواصل المثمر مع وسائل الإعلام
«صحف، مجلات، انترنت، إذاعات، فضائيات، معارض»، لإعطاء الكتاب مكانه
المرموق في وسائل إعلامنا المختلفة. والاهتمام
بقسم الأطفال في المكتبات العامة، من
خلال تفعيل الأنشطة والبرامج الموجهة لهم، كقراءة القصة، ومشاهدة البرامج
العلمية والتثقيفية، ليألف الطفل الحضور إلى المكتبة
العامة في سن مبكرة.
9. تلبية احتياجات الروّاد القرائية، بدراسة ميولهم واهتماماتهم.
10. تخصيص أوقات معينة لاستضافة
الأدباء والمؤلفين، تجمعهم بالقرّاء في حوارات مباشرة.
هذه جملة من المقترحات، وهناك المزيد، فإن تواصلنا بإيجابية وإلحاح
مع القائمين
على هذه الوسائل، يمكننا أن نعمل على تحقيق تكاملٍ بنّاء بينها، فيما
يخدم الحراك الثقافي. ونحن بانتظار من يشعل الشموع، وهذه
مسؤوليتنا جميعاً.
بوركت يداكِ استاذه مريم على هذا التحقيق الرائع والذي فعلا يستحق منا القراءة والتعليق عليه. لافتا الى ما يشدني دوما للمتابعه وهو الاسلوب الشيق في بلاغة اللغة وسلاسة السرد المشوّق لتكملة النص بشغف,
شكرا لكِ على هذا الجهد.
و نتيجة لهذا الركود الثقافي والفكري اليوم، قمنا كمجموعة في منطقة النبطيه بالاستحصال على رخصة جمعيه كتابي، والهدف منها قراءة كتاب شهريا ومناقشتها، ونعمل جاهدين لتوسيع نشاطنا،
لذلك التركيز على موضوع المكتبه شيء هام، يُسعى من خلاله لتطوير المجتمع لأن الفكر اساس التطور
والموقع ليس مسؤولا عن ذلك.