العنف الأسري: قراءة في الأسباب والنتاٸج الکاتب: محمد هاني شقير
العنف الأسري: قراءة في الأسباب والنتاٸج
الکاتب: محمد هاني شقير
بتاريخ 6 تشرين الأول عام 2019، أعلن عن إنشاء خط
ساخن ( 1745 ) لاستقبال شكاوى العنف الأُسري في لبنان، بعد ورود عدة شكاوى بهذا الخصوص، إذ تصدرت معظم وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي حوادث أٌسرية لافتة. وترافق ذلك مع مفصلين تاريخيين مهمّين في الحياة الاجتماعية اللبنانية، وهما انتفاضة 17 تشرين وجائحة كورونا، ولكلا المفصلين خصوصيات تؤثر في تزايد العنف الأسري في المجتمعات، وبخاصة في المجتمع اللبناني۔
ان وضعية عدم وجود الزوجين في المنزل، لوقتٍ طويل، ربما حالت دون تصادمهما، ويبدو، بحسب معالج نفسي متخصص، أن حرية الفرد التي يعيشها في الظروف الحياتية الطبيعية خارج المنزل، تخفف حالة التوتر التي قد تنشأ بين الزوجين. وهو، أي أحد الزوجين، عندما يمارس حياته الطبيعية، ولا سيما في أثناء وجوده في العمل أو السوق، أو المدرسة أو الجامعة وغيرها، يتحصل على طاقة إيجابية كافية لكي يمتص أي حالة غضب، بسبب وجوده في المنزل مع الطرف الأخر. وليس بالضرورة أن يكون المخطىء دائمًا هو الرجل، فالطرفان يمارسان التصرفات وردود الفعل نفسها بحق بعضهما بعضًا، وكل واحد منهما يتأثر بالآخر، ويؤثر فيه، ويتفاعل معه، وفاقًا لقدراته الذهنية والنفسية والمعنوية۔
ويلخص المصدر عوامل التصادم بين الزوجين بنقاط ثلاث رئيسة:۔
أولاً: الخيانة الزوجية، وهي تعتبر الحالة الأكثر شيوعًا وحصولاً، فربّما تغاضى أحد الزوجين عن أمورٍ كثيرة، لكنه في هذه الحالة بالذات، يمكن أن يرتكب جريمة، ولا يتوانى عن التعبير عن هذه الحالة بمختلف الأساليب، والعنف أبرز تلك التعبيرات، من دون أي اعتبار آخر، مهما كان، وكيفما كان. فبالنسبة إليه، الخيانة هي أمرٌ عظيم الشأن، وقد أصابه في الصميم، وطال جميع الصعد، وبخاصة القيمية والأخلاقية، عدا عن تأثيراته النفسية والمعنوية عليه. لذا في هذه الحالة يفجر الشخص كل مكنوناته التصادمية ولا يراعي أياً من الظروف. وهناك آخرون، وهم قلّة، يكبتون هذه الأمور، ويتعاطون معها بطريقة انطوائية، فيهربون الى الذات، ويسرون شكواهم لأنفسهم۔
ثانيًا: تنعكس الحالة الاقتصادية في الحياة الاجتماعية بين الزوجين بشكل رئيس، وهي تأتي بعد الخيانة، لكنها مع الكورونا تحولت الى السبب الأكثر تأثيرًا في الحياة الأسرية. لذا فإن تداعيات تردي الاوضاع الاقتصادية تصيب العائلة بشكل مباشر، وحاجيات أفراد الأسرة تصبح ملحة جدًا، وكلما زاد الأمر سوءًا، انعكس في شكل خلافات بين الزوجين اللذين قد لا يتعاطيان بعقلانية تقوم على تقدير الظروف ومراعاتها، وبحثها بشكل هادىء واقعي، بعيدًا من الضجيج. من هنا، فإن حالات خلافية كثيرة تقع بين الزوجين نتيجة الوضع الاقتصادي المتردي، والمنعكس مباشرة في حياة الأسرة۔
ثالثًا: الحالة النفسية، وربما هي التي تؤثّر بشكل متقلب في تنظيم الحالتين السابقتين. هنا يكون للوعي، عند الطرفين أو لدى أحدهما، دور محوري في لجم وقوع حوادث عنف أسري. فكلما امتصّ طرفٌ ما غضب الطرف الآخر، قلّت المشاكل بينهما، وكلما كانا غير هادئين في التعامل مع واقعهما وظروفهما فإنهما يذهبان حتمًا الى الاختلاف بطريقة عنفية۔
ويضيف المصدر المذكور: هناك ظروف أخرى في لبنان تزيد من الخلافات بين أفراد الأسرة، وهي ظروف التركيبة السياسية والطائفية والمذهبية، وحتى العائلية المعقدة للمجتمع اللبناني، وقواه السياسية التي تتفق في الأنا العليا وتسعّر الخلافات في الأنا الدنيا۔
فيما يلي قراءة احصائية في أرقام العنف الأسري مفصلة في حدود حوالى 3 أشهر قبل ازمة الكورونا و 3 أشهر بعدها، والتي وردت كشكاوى على الرقم 1745۔
اعتبارًا من تاريخ 12/11/2019 حتى تاريخ 20 /2/2020 بلغ عدد الشكاوى 270 شكوى، توزعت على الأشهر كما يلي: 47 في شهر ت 2، و 81 في شهر كانون 1، و 80 في شهر كانون 2، و 62 لغاية 20 شباط 2020، تاريخ بدء جائحة كورونا في لبنان، والبدء التدريجي للحجر الصحي۔
وقد تبين ان شكاوى العنف الأسري، قد تضاعفت في خلال جائحة كورونا، وسجل ورود 453 شكوى بين تاريخي 21 شباط و3 حزيران من العام 2020، وهي كالآتي بحسب الأشهر: 33 شكوى من 21 شباط لغاية نهايته، و 97 شكوى في شهر آذار، و 151 شكوى في شهر نيسان، و 161 شكوى في شهر آيار، و 11 شكوى في غضون أول 3 أيام من شهر حزيران الحالي۔
ففي خلال ثلاثة أشهر وعشرين يومِا، سجل 270 شكوى قبل الكورونا، و في ثلاثة أشهر واحد عشر يومًا، سجل 453 شكوى۔
ففي الحجر المنزلي تضاعفت حوادث العنف الأسري بنسبة تفوق المئة في المئة، ويبدو أن حجز الحريات كيفما كان، هو شكل من إشكال تزايد العنف في جميع الميادين. ويرى المصدر النفسي المذكور، أن الحرية لا تتجزأ، وهي كلّ متكامل. فقمع الحريات لدى الدول يولّد العنف، كذلك هو الأمر بالنسبة إلى حجزها كما جرى مع الكورونا، وقد انعكس ذلك في الحياة الواقعية بين أفراد الأسرة، وتضاعفت المشاكل بينهم بنسبة لافتة، ولا سيّما أن مجتمعاتنا تفتقد الى فهم ممارسة الديمقراطية في كلّ نواحي الحياة، إضافة الى حمل الموروث المجتمعي والديني، وخصوصية فهم ذلك الموروث لدى المجتمعات العربية تحديدًا.
ويرى المصدر المذكور، أن ورشة قانونية وتشريعية حقيقية مدنية ودينية، يجب أن تقوم في مجتمعنا، بغية تطوير مفاهيمنا وقوانيننا وسلوكياتنا، وخلق علاقات صحية بين الدولة والمجتمع وبين المؤسسات الرسمية والدينية وبطبيعة الحال بينها جميعها وبين الأفراد الذين بهم ومعهم تنتظم الحياة۔
لا يوجد أي تعليق، كن الأول و ضع تعليقك الان.
مكتبة الصور
والموقع ليس مسؤولا عن ذلك.