حاجة
النظام القانوني إلى قواعد تحكم النشاط القضائي
الالتجاء
للمحاكم وتنظيم الحق في الدعوى
هل
يكفي أن يكون للفرد مكنة الالتجاء إلى القضاء حتى يكون النظام القانوني قد أوفى
بواجبه في حماية الحقوق؟ بالطبع لا، إذ ليس كافيًا أن يشتمل النظام القانوني
للدولة على قواعد تقرّر الحقوق والالتزامات التي تترتب على مختلف المعاملات
والمراكز القانونية، كالقانون المدني والتجاري وغيرهما، وأن يُحرّم هذا النظام على
أفراده اقتضاء حقوقهم بأنفسهم ويفرض عليهم اللجوء إلى القضاء إذا ما اعتدِيَ على
حقّهم في وجوده أو مضمونه أو مداه، دون أن يشتمل على قواعد تنظّم عمل القضاء
والمتقاضين.
فقد
حتمت الضرورة إنشاء المحاكم، وتعدّدت أصنافها ودرجاتها، واقترن ذلك بضرورة تعيين
من يعملون بها من قضاة ومعاونين. ألا تحتّم الضرورة بالتالي وضع قواعد للتنظيم
القضائي هذا؟
ثم
هب أننا أمام تنظيم قضائي مثالي، فهل يعني ذلك أن تفتح المحاكم أبوابها لمن يرغب
في اللجوء إليها عبثًا، أو كساحةٍ لمجادلات نظرية بحتة، أم لمن ستعود عليه منفعة
عملية من هذا الالتجاء؟ لا شكّ في اختيار الإجابة الثانية. ألا يتطلّب ذلك تنظيمًا
للحق في الالتجاء إلى القضاء للحصول على حمايته وهو ما يعبّر عنه بالحق في الدعوى
وتنظيم كيفية استعمال هذا الحق من خلال أدوات مناسبة؟
لم
تنتهِ المشكلة بعد إذ يجب تنظيم شكل العمل الذي يحتضن الدعوى للوصول إلى قرارٍ
فيها. هذا الشكل كما يتقيّد به الأفراد
المتقاضون يتقيّد به أيضًا من يفصلون، فالشكل كما قال "أهرنج" (توأم
الحريّة). يجب إذًا تنظيم المحاكمة.
وعادةً
تنتهي المحاكمة بصدور الدعوى. هل من ضرورة لتنظيم وسيلة من خلالها تتم مراقبة
القاضي في قراره هذا وتصحيح ما قد يقع فيه من أخطاء؟ فالقاضي بشَرٌ وما يقوله يقبل
الطعن فيه. لكن حتى لا يسيء المتقاضون هذا الوضع يجب تنظيم طرق الطعن وأشكالها.
ونصل
إلى نهاية المطاف بوضع القرار الصادر في المنازعة موضع التنفيذ حتى يجني المحكوم
له ثمرة حقِّه. ولذلك كان لا بدّ من رسم قواعد وخطوات عمليّة التنفيذ هذه حيث أنها
تدخل في وظيفة سلطة القضاء.
من
أجل كل ذلك كان لا بدّ أن يشتملَ النظام القانوني لأية دولة على قواعد خاصة بهذا
"النشاط القضائي" والذي ينشغل بتوفير الحماية للحق بواسطة القضاء، إذ لن
تكون هناك قيمة تُذكر لحقٍّ لا يحميه قضاء.
فقد كان الشائع في الشرائع المختلفة هو تخصيص
فرع من فروع القانون يستقلّ بتنظيم النشاط القضائي خصوصًا في صدد المنازعات
الناشئة عن تطبيق قواعد القانون الخاص كالمدني والتجاري، فإن هذا الفرع من فروع
القانون يهتم بتنظيم منح حماية النظام القانوني للحقوق بواسطة القضاء، هي إذًا
حماية قضائية وهو "قانون الحماية القضائية"، والمعروف في لبنان باسم "قانون
أصول المحاكمات المدنية". والذي سنشير لاحقًا إلى ما يتضمنه هذا القانون من:
-
إنشاء المحاكم وتشكيلها وكيفيّة تعيين أعضائها وحقوقهم
وواجباتهم ونظام الأفراد المعاونين لهم، وهذا ما يسمى " قانون القضاء
العدلي".
-
كيفية توزيع النظر في المنازعات بين مختلف جهات القضاء
(وهي في لبنان ثلاث: جهة القضاء العادي، جهة القضاء الإداري وجهة القضاء الديني).
-
قواعد توزيع الاختصاص داخل كل جهة، وبصفة أخصّ، محاكم
القضاء المدني واختلاف درجاتها، وتصنيف المحكمة على أساس نوع المنازعة أو قيمتها
أو الدائرة المكانية للمحكمة.
-
القواعد المنظّمة لقبول واستعمال الدعوى وهي التي منحها
القانون لصاحب الحق.
-
القواعد الإجرائية المنظّمة لشكل الأعمال التي يقوم بها
الخصوم أو المحكمة بدءًا من انعقاد الخصومة ثم موالاتها وعوارضها إلى طرق انتهائها
المتنوّعة.
-
تنظيم قواعد طرق الطعن في الأحكام الصادرة.
والموقع ليس مسؤولا عن ذلك.